الجسد الذي يلغي الروح
كانت تتحدث معي عن الروح ، وعن الحب الروحاني وعن رغبتها في رجل يحبها لروحها لا لجسدها ..
كانت جميلة إلى درجة لا تصدق و كل من حولها من الرجال و النساء مبهورون بحضورها الملكي الخرافي ….الوجه الذي يستعبد العيون حتى لتصير العبودية نعمة ، والجسد المنتصب في جلسة تخطف الأنفاس حتى ليصبح المنظر لذة ما بعدها لذة بالساقين الملتفين إحداهما على الأخرى كأنهما ذراعا ضوء مقدس، تتجلى فوقها آلهة وثنية .
كانت تتحدث عصفا عن الروح ، غير أن جسدها كان يشاغب عليها بإستمرار ويتدخل عند كل حركة كي يطرح لغة وكلاما أكثر إقناعا، و مع ذلك كان جميع الحاضرين رجالا و نساء – بمن فيهم أنا – كانوا يهزون رؤوسهم دلالة على قناعتهم بما كان هذا الجسد الرائع يقوله و كأنه يغني !…
وها أنذا وحدي الأن أسترجع الذكرى عن هذا المشهد متسائلا بحق : هل هناك فعلا روح هي غير الجسد ؟ معظم الناس يؤمنون بهذه الروح كطاقة مستقلة عن الجسد و يؤكد عدد من العلماء صحة هذا الإعتقاد و علماء آخرون لا يؤمنون بنظرية الروح و الجسد ككيانين مختلفين الواحد عن الآخر بل المسألة في تصورهم أن كل ما يصدر عن الإنسان من حركة أو تفكير صادر عن الألية المادية المعقدة للتركيب البشري و غير المفهومة بكامل أوصافها حتى الأن و أن هذه الألية هي المسؤولة عن تصرف البشر و لا ضرورة لتسميتها باسم آخر مختلف عن الجسد هو ” الروح ” و جهلنا إياها كما نحن عليه الأن ليس دليلا على وجودها و إنما على صعوبة إكتشاف هذا الوجود لا غير …
كنت أفكر على هذا النحو و ذكرى تلك المراة الخارقة الجمال لا تبارح مخيلتي ، كنت أقول لنفسي : من هو إذن الذي كان ينطق عبر لسانها سواها ؟ …كان جسدها الرائع هو الذي يتكلم و يقنع و يؤكد حقيقة أساسية واحدة أن هذه المرأة الحسناء جدا ..جدا ..
لم يكن ممكنا أن تسمو بحديثها المتقن عرضا و حجة و صدقا إلا لأن جسدها كان مكتملا و كأن الجسد و الروح كيان واحد لافرق بينهما ، و كأن الجمال حين يكون خارقا في كماله و بهائه لا يمكن أن يصدر عنه إلا ما يمثل هذا الجمال.. و شيئا فشيئا بدأت أكتشف أنني كنت منحازا لموقف تلك المرأة في حديثها عن الروح لا لاقتناعي بما كانت تقوله بل بما كانت أعضاؤها وجهاً و أطرافاً و تألقاً توحي به من إثارة غريزية !….
آه منكم أيها الرجال!… كم أنتم بعيدون عن الوصول إلى حقيقة الجنس الأخر … و أن المرأة ليست جمالا فقط .