الجمهورية الليبية الإشتراكية العظمى.. إلى أين ؟؟؟!
صفقنا كثيراً للثوار الليبيين الذين استطاعوا في طرابلس الغرب عاصمة البلاد أن يهزموا المدافعين عن نظام الديكتاتور معمر القذافي بالرغم من ضآلة عددهم مقابل ما كان يسمى فصائل الدفاع الوطني المكلفين بحماية النظام الإستبدادي الحاكم “للجمهورية الليبية الإشتراكية العظمى” كما كان يسميها القذافي كقائد محوري للحرية والإشتراكية في بلاده التي كانت تخلو من الأحزاب سعياً وراء وحدة ديمقراطية للشعب الواحد.
تلك هي السمعة التي وصلت إلينا عن حكمه عهدئذ حين صدقناه كقائد ثوري للحرية الإشتراكية وحركة التغيير للوطن العربي بأكمله قريباً، كما كانت أجهزة الدعاية تقول ليل نهار عن مشروع الخلاص الذي سيقوده القذافي للعرب أجمعين ، غير أننا لم نلبث أن فهمناه على حقيقته في السنوات الأخيرة من حكمه. وهذه الصورة التي تتصدر مقالنا هي التي التقطت لنا في العهد الذي صدقه الكثيرون منا وعلى الأخص الكثير من الكتاب و الأدباء العرب الذي انعقد مهرجانهم الشعري والأدبي في طرابلس في أوائل شهر تشرين الأول عام 1988. أذكر أن المهرجان انتهى وسافر معظم الكتاب والأدباء وقتئذ عائدين إلى بلادهم، إلا عدداً كنت أنا و الشاعرمحمد عمران والشاعرة هند هارون ممن وقع عليهم الإختيار أن يبقوا في فندقهم في طرابلس أسبوعاً آخر أخذونا فيه إلى زيارة “القائد” معمر القذافي في خيمته الشهيرة خارج المدينة ببضع كيلومترات وهناك إنتظرناه في تلك الخيمة أكثر من ثلاث ساعات كما أذكر إلى ما بعد غروب الشمس حين أقبل من بعيد بثيابه الرياضية البيضاء واستقبلنا بالحفاوة الضرورية ، واعتذر هو بدوره عن تأخره لأنه كان يقوم بجولته الرياضية التي تدوم ساعات و هذا ما دفعني و قتئذ إلى الشك في كلامه وإن لا لماذا أتوا بنا إلى الخيمة في وقت مبكر كي تطول علينا مدة الإنتظار، بدلاً من يأتوا إلينا بعد إنتهائه من تمريناته الرياضية … و من هنا فهمت ضمناً أنها مسرحية هدفها بث مشاعر الهيبة في نفوسنا من خلال الإنتظار المديد للقائد العظيم الذي لا يظهر لزواره إلا بعد أن يزرع فيهم أهمية هذه الزيارة من خلال تلهفنا الطويل المرير.
أذكر أنه جلس قريباً منا على مقعد وطيء مريح ونحن أمامه بشكل قوسي على الطراريح وقد وضع على الأرض أمامه جهازاً لتسجيل الحوار الدائر والقصائد التي طلبها منا كي يعود إلى إستماع إلقائنا وحده لأنه يحب الشعر – كما قال – و يحب أن يسمع أصوات الشعراء…
كانت جلسة لطيفة نسينا فيها ضيقنا بطول إنتظاره. جلسة إستمرت أكثر من ساعتين ودعانا في ختام سهرتنا معه إلى التجمهر حوله لإلتقاط الصور التذكارية وأذكر حتى الآن كيف كان يدعوني شخصياً إلى الإقتراب منه أوالوقوف خلفه مباشرة وكأنه يتعمد ذلك لإشعاري بأهميتي عنده بعدما قصت عليه الأديبة ” فوزية شلابي” وزيرة الثقافة – كما قالت لي – ما يجعلني لديه الشاعر الإشتراكي المناضل …الخ
و الآن ..ماذا تبقى من القذافي غير قصة القبض عليه مختبئاً في نفق للنفايات في مدينة “سرت” و قتله بدلاً من أسره … ها هي ليبيا الآن منذ سبع سنوات تتعرض لما يشبه حرباً أهلية بين فصائل الثوار الذين صاروا الآن لا هم لهم إلا تمزيق الوطن الواحد إلى دويلات صغيرة وخوض القتال المدمر بعضهم ضد بعض سعياً وراء السلطة على البلاد …فإلى متى تستمر هذه الحرب الأهلية المريعة التي توشك أن تجعل الكثيبرين أن يترحموا على زمان القذافي وحكم القذافي الذي على سوئه بالطبع لم يمزق الوطن الواحد إلى فئات من المناطق المتنازعة بإستمرار … هل نجت حقا ليبيا من الإستبداد أم أنها انتهت كدولة عربية واحدة ؟!