الجيل الرابع من الحروب.. الحرب اللامتماثلة
الحرب اللامتماثلة ..بعد حرب تشرين التحريرية كانت نهاية حلم الكيان الصهيوني بالاستقرار والهيمنة بل وبداية النهاية لحلم المشروع الصهيوني.
مقدمة
لست بصدد تفاصيل ما حدث بحرب تشرين ولكن بإضاءة بسيطة واستنادا لإعلام العدو ووثائقه التي افرج عنها مؤخرا ونشرتها صحيفة يديعوت احرنوت الصهيونية .
و كيف ظهر الارتباك والياس على قادة العدو آنذاك الى ان قال موشي دايان وكان وزير الحرب يومها انه سيناريو يوم القيامة .للحد الذي فكروا فيه بانه نهاية إسرائيل والتفكير جديا بخيار شمشون كما يسمونه وهو استخدام القوة النووية ضد القطرين سوريا ومصر .
الى ان هرع الصهيوني كيسنجر وزير الخارجية الامريكية يومها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإنقاذ الحلم الصهيوني فاقنع الرئيس الأمريكي حينها بأن الحرب ليست بين العرب وإسرائيل بل بين السلاح الأمريكي والسلاح السوفياتي ويجب عدم السماح للسلاح السوفياتي بالتفوق ، وكان الجسر الجوي الأمريكي للكيان الصهيوني حيث أعاد نوعا ما من توازنه .
ملاحظة :
يجب التمييز بين الحرب اللاتماسية والتي يستخدمها الثوار والدول ضد عدو قوي كالمقاومة اللبنانية مثلا وبين الحرب اللامتماثلة والتي سنوضحها فيما يلي .
بعض وثائق حرب تشرين التي نشرتها مصادر مقربة من الموساد الصهيوني :
واهم ما جاء فيها :
٭ان إسرائيل غير قادرة على حروب عسكرية مباشرة مع العرب . لذا يجب وضع خطط للمستقبل لتطوير التفوق الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا لتطويع العرب وقبول إسرائيل كأمر واقع .
وللأسف ان هذه الخطط ليس سرية بل كرستها المؤتمرات الصهيونية في هرتسليا٭ وأوضحت المخططات ما ينوون فعله ولكن للأسف لم يقرأها احد ولا اتخذت الإجراءات المضادة لهذا التوجه الصهيوني .
٭ان الولايات المتحدة هي شريكة دائمة وداعمة للكيان الصهيوني وبكل وسائل الدعم .
٭ضعف العمق الاستراتيجي للكيان الصهيوني لذا عليها نقل الحرب الى ارض العدو نظرا لصغر مساحتها وعدم وجود عمق استراتيجي لها .
٭ان جيش إسرائيل هو الشعب عامة ففي حالة التعبئة يعبأ الشعب كاملا بسبب نقص العنصر البشري لديه .
٭تمركز كبير للسكان الصهاينة في المدن الرئيسة الكبيرة وكذلك الصناعات الاستراتيجية وتدمير هذه المدن وتلك الصناعات يعني نهاية الكيان .
٭عدم قدرة إسرائيل على تنفيذ الحرب الخاطفة بعد تطور الجيوش العربية وتسليحها
٭في مؤتمرات هرتسليا للامن والمناعة الصهيونية السنوية . تذكر مخططات الصهيونية وافكارهم وماذا سيفعلون .راجع كتيبات ومقالات سنوية متتالية لي صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية العسكرية بدمشق حول مؤتمرات هر تسليا السنوية ).
لذا حاول الفكر الصهيوني وبمساعدة الولايات المتحدة الامريكية ايجاد طرق وأساليب جديدة لحروب غير عسكرية تمكن الكيان الصهيوني من اضعاف العرب دون خسارة أي جندي صهيوني .
بداية لنتعرف على أجيال الحروب كما صنفها الخبراء العسكريون الاستراتيجيون :
1 – حرب الجيل الأول:
هي الحرب التقليدية بين دولتين لجيشين نظاميين وبين جيشين نظاميين وارض معارك محددة ومواجهة مباشرة بين الدول.
2 – حرب الجيل الثاني
يعرفها البعض بحرب العصابات والتي كانت تدور في دول أمريكا اللاتينية وفيها يتم استخدام النيران والدبابات والطائرات بين العصابات والأطراف المتحاربة او المتنازعة وهي تشبه الى حد ما النوع الأول.
3 – حرب الجيل الثالث:
عرفت بالحرب الوقائية او الاستباقية كالحرب على العراق مثلا وتتميز بالمرونة وسرعة الحركة واستخدام عنصر المفاجأة.
4 حرب الجيل الرابع :
وهي الأهم وصلب موضوعنا .
اتفق الخبراء على ان حرب الجيل الرابع هي حرب أمريكية بحتة . طورت على يد المخابرات والجيش الأمريكي وسميت (بالحرب اللامتماثلة ) حيث صنع الفكر الأمريكي والصهيوني حفنة من المرتزقة المدربين. ووجهتهم بداية باتجاه الجيش السوفياتي في أفغانستان وقد حققوا نتائج باهرة بدعم وتسليح وتدريب المخابرات والجيش الأمريكي .
هؤلاء المرتزقة غير معروفين يتخفون بين السكان المحليين ومدربين على استخدام السلاح. وقد تم شحنهم عقائديا للحد الذي يقدمون فيه على تفجير انفسهم وتنفيذ العمليات الانتحارية وقتل الأبرياء . دون ان يرف لهم جفن ،
لقد قامت مؤسسات ومعاهد وعلماء نفس من المخابرات الامريكية والصهيونية بتدريس وتلقين هؤلاء عقائد مغلوطة ودين منحرف لا يعترف بالآخر مهما كانت صبغته او هويته او معتقده واغدقت عليهم الأموال وللأسف انها أموالا عربية .
ماهي الحرب اللامتماثلة :
يعتبر مفهوم الحرب اللامتماثلة من المفاهيم الحديثة نسبيا والتي دخلت القواميس العسكرية .
واخذ بها الاستراتيجيون الامريكيون في نهاية القرن الماضي ومع سقوط الاتحاد السوفياتي . تحسبوا للفراغ الذي يمكن ان يحصل ومن يملأ هذا الفراغ ، فتحسبوا لهذا الامر واعدوا له العدة حفاظا على الامن القومي الأمريكي وخاصة بعد ظهور حالة الإرهاب الدولي .
الإرهاب الدولي :
عناصر مرتزقة تنتشر في كل المناطق والساحات . اخذت أفكارهم تتوسع لتشمل الحاقدين وذوي السمعة السيئة والمغامرين والشاردين والمتضررين والباحثين عن الاثارة والمغامرة لإرضاء رغباتهم .
وهنا تفتق الذهن الأمريكي لاستيعاب هؤلاء ومن ثم توظيفهم في سبيل تحقيق غايات ومصالح الاطماع والسياسات الامريكية .
بداية وقفت الولايات المتحدة الامريكية موقفا دفاعيا ضد هؤلاء . ريثما يتم استيعابهم وتشغيلهم لصالحها وفعلا تم استغلال هذه الجماعات وتوظيفها ومن ثم تدريبها وتسليحها وشحنها بعقائد دينية تلائم الغرض من خلق هذه الجماعات وفيما بعد استخدامها في زعزعة امن الدول والمجتمعات التي لم تتفيأ بالخيمة الامريكية وتلبس عباءتها وترضخ لمطالبها .
خصائص الحرب اللامتماثلة :
تتسم بعدد من الخصائص تميزها عن الحرب التقليدية من حيث: – الأهداف – الوسائل والأدوات – مسرح العمليات – الفترة الزمنية للحرب
1 – من حيث الأهداف والغايات:
في الحرب التقليدية يكون الهدف الرئيس من الحرب هو الحسم العسكري. عبر تدمير العدو عسكريا واقتصاديا وكسر ارادته سياسيا بينما في الحروب غير المتماثلة يعتمد على الضربات التي تستنزف العدو وتقوم بأعمال تدمي اقتصاده وبناه التحتية وصولا لكسر ارادته سياسيا.
2 – من حيث الوسائل والأدوات:
في الحرب التقليدية يلجأ المتحاربون لاستخدام كافة أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية أحيانا .
وتتم المواجهة بين عدد كبير من الجيوش في نقاط ومواقع محددة .
بينما في الحروب اللامتماثلة تتعدد الوسائل والأدوات المستخدمة لتشمل كل أنواع الأسلحة إضافة للوسائل الأمنية والاقتصادية والفكرية وإعلامية مضللة وقد يتم استخدام وسائل تكنولوجية متطورة وكذلك وسائل بدائية جدا والمهم ان تكون مؤثرة.
3 – من حيث مسرح العمليات:
في الحروب التقليدية يكون مسرح العمليات محددا ومعروفا على بقعة جغرافية محددة. بينما الحروب اللامتماثلة لا يكون هناك ميدان يتقابل فيه المتحاربون بل يكون المجال مفتوحا وغير محدد بمساحة جغرافية معينة.
4 – المدة الزمنية للحرب:
الحروب التقليدية لا تستغرق وقتا طويلا بل تحسم نتائجها غالبا في فترة زمنية محددة (قصيرة – او متوسطة – او طويلة) .
اما الحروب اللامتماثلة فهي قد تمتد سنوات وربما عقود .
وقد استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية كحرب استباقية لكسر إرادة الدول والشعوب التي لم تقدم فروض الطاعة للمصالح الامريكية . لذلك بدأت باستخدام هذا النوع من الحروب لزعزعة استقرار الدول دون الحاجة لإعلان الحرب عليها مباشرة .
وقد عرف البروفيسور الأمريكي (ماكس مايورا ينج ) الحرب اللامتماثلة بانها تلك الحرب التي تعتمد نقاطا مختصرة هي :
حرب بالإكراه – افشال الدولة – زعزعة الاستقرار – وفرض واقع جديد يراعي المصالح الامريكية والاقسى من ذلك هو تجنيد افرادا وجماعات من الدولة المستهدفة نفسها لتنفيذ المهمة وتلك الحرب لا تستهدف تحطيم مؤسسة عسكرية او القضاء على مقدرات الدولة في مواجهة عسكرية ولكنها تهدف الى انهاك ارادتها ببطء بعد نشر الفوضى في ارجائها .
■ الجيل الرابع من الحروب استند في صلب أهدافه النظام الذهني العقائدي عن طريق خلق جماعات داخلية متناحرة على جميع المستويات وشحن هذه الجماعات شحنا دينيا تعصبيا طائفيا او اقتصاديا (حروب المال ) او طابعا علميا بحيث تقوم هذه الجماعات باختراقات علمية تكنولوجية .
الوسائل المستخدمة في الجيل الرابع من الحروب :
أ – الإرهاب .
ب – قاعدة إرهابية غير وطنية او متعددة الجنسيات .
ت – حرب نفسية متطورة مدروسة من خلال وسائل الاعلام المتطورة (محطتي الجزيرة والعربية ) مثلا .
ث – استخدام كل الضغوط المتاحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ودبلوماسيا والتلويح باستخدام القوة والتدخل المباشر.
ج – استخدام تكتيكات حرب العصابات.
إسرائيل والولايات المتحدة شريكتان في شن الحروب اللامتماثلة ضد الدول العربية :
كما اسلفنا ان خوف الكيان الصهيوني من فشله بأي مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيوش العربية وخاصة بعد فشله بحرب تشرين .
ومن ثم اجباره على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 وهزيمته بحربه على المقاومة اللبنانية عام 2006 .
بدا يفكر بأساليب جديدة لتدعيم كيانه واثبات وجوده وبتعاون وثيق مع الشيطان الأكبر الأمريكي تم التخطيط لزعزعة الدول العربية الفاعلة ضده . والرافضة لوجوده فخططت من خلال مراكز ابحاثها وغرف عملياتها السوداء ثم نفذت – ووجدت افرادا وجماعات من ذوي النفوس الضعيفة والفاسدين أصلا .
واغرتهم بالمال وعززتهم بالسلاح وبكافة وسائل الدعم . وشحنتهم بأفكار سلفية مقيتة لا تمت للدين بصلة وقامت بمساعدتهم ماديا ومعنويا والتدخل العسكري المباشر والمحدود أحيانا ان لزم الامر ودون تقديم أي خسائر تذكر .
والغاية هو استنزاف (الدول – الدولة ) وتفتيت قدرتها على الفعل الصلب القوي. عبر استدراجها لمنازلات محدودة ومتعددة بغرض ارهاقها وسلبها تركيزها وتفتيتها . وبعثرة أراضيها تحت امرة جماعات متناحرة أيضا فيما بينها لخلق مزيد من الفوضى والدمار وصولا لإذلال الدولة ان امكن وبالتالي كسر ارادتها .
وببساطة شديدة ان الحرب اللامتماثلة هي الاعتماد على العدو لتدمير نفسه اذ سيبقى المقاتلون المتمردون والارهابيون مندسين بين صفوف المواطنين . ويخرجوا عند اللزوم بأمر من مشغليهم ليضربوا ويعودوا لحضن الجمهور ليختفوا ثم يظهروا من جديد. يترافق كل ذلك مع استهداف ممنهج للبنى التحتية للدولة والمرافق الحيوية مع ضغوط دولية واعلام مشبوه يزور الحقائق .
مدى نجاح هذا الأسلوب في الحروب :
حين تتوفر الأرضية للاختراق يمكن ان ينجح هذا النوع من الحروب. بل من المؤكد نجاحه في ظل الجهل والفساد وعدم الارتباط بالوطن والقومية والدين حتى وللأسف الشديد استطاعت الصهيونية العالمية والمسيحيون الجدد (المتصهينين ) النيل من دولنا العربية.
حيث استطاعت ان تسخر أموال النفط المعطاء والكريم بلا حدود تحت امرتهم وحسبما يوجهونه وحاكت المؤامرات وجعلت من بعض الدول العربية عدوا لدول عربية أخرى.
بل وجعلتها طرفا أساسيا في الصراع. ولان هذه الدول لا تملك الوعي الكافي بل الالتزام القومي الكافي بل الاخلاق الإنسانية الكافية جعلتها العوبة لإرادتها وتوجيهها اذ استطاعت ان تحرف بوصلة الصراع بدل ان تكون ضد الكيان الصهيوني ووجهتها باتجاهات أخرى امعانا في الانقسام العربي أحيانا والتركيز على تأجيج الوضع الطائفي أحيانا أخرى وابعاد الاهتمام بالقضية الأساسية والمركزية وهي القضية الفلسطينية .
وربما النجاح الذي تحقق حتى الان من هذا الأسلوب هو حرف اتجاه بعض الدول العربية لتقيم علاقات ودية وتحالفات مع الكيان الصهيوني دون خجل أو حياء حتى من شعوبها وتوجيه بوصلة الصراع لعدو مختلق لا وجود له أصلا والغاية هي الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني كأمر واقع وإقامة العلاقات الطبيعية معه كأي دولة أخرى وهذا ما سعى ويسعى له الكيان الصهيوني .
والنجاح الاخر الذي حققه هذا الأسلوب هو تدمير بعض الدول وجعلها دول فاشلة كالعراق في بداية غزوه ثم القطر الليبي والان اليمن . واستطاعت في هذا الأسلوب ان تدمر بعض المدن في قطرنا الحبيب والكثير من البنى التحتية ولكن إرادة الشعب العربي السوري افشلت مخططهم حتى الان ولم يستطيعوا كسر الإرادة وكسر السيادة وكسر التشبث بكل شبر من الأرض السورية .
هل تنجح هذه الحروب في تركيع الدول :
كما اسلفنا ربما تحقق هذه الحروب بعض النجاحات في زعزعة الوضع للدولة ومحاولة زعزعة الاستقرار فيها.
وربما تكسر ارادة بعض الدول وربما حققت نجاحات بتحالفات جديدة ونجحت أيضا في تدمير الكثير من البنى التحتية وتدمير بعض المدن .
ولكنها فشلت أيضا في تركيع دول أخرى رغم كل القوى التي شاركت ورغم كل وسائل الصراع التي استخدمت ورغم كل الإمكانيات التي ضخت. فالإرادة والوعي والتمسك بتراب الوطن ستفشل أي نوع من هذه الأساليب.
والسؤال الان هل تستطيع هذه الحروب تحقيق كامل أهدافها :
بمراجعة بسيطة للتاريخ القديم والحديث نجد ان كل الغزوات التي استهدفت المنطقة كانت تتكسر على أبواب دمشق فمهما اشتدت المؤامرات وتعددت وتلونت ستجد نهايتها على أبواب دمشق ، دمشق الحضارة ، دمشق التاريخ ، دمشق العروبة ، دمشق الإباء ، دمشق الصمود .
المراجع :
- كتاب انت جيش عدوك للكاتب نبيل فاروق .
- كتاب حديقة القرن – الجيل الرابع من الحروب . د ماهر عربيات
- موقع المصري اليوم