بعد 54 يوماً من بدء العملية البرية، تواصل المقاومة تقديم مشهد أسطوري في التصدّي للتوغّل البري، إذ أعلن الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أول من أمس، «تدمير وإعطاب نحو 825 آلية عسكرية»، ما يعني أن «القسّام» وحدها دمّرت بشكل يومي ما معدّله 15 آلية، فيما «سرايا القدس» تُعلن، هي الأخرى، بشكل يومي عن استهداف عدة آليات.
هذا الضغط الميداني، أجبر بلا شكّ، القوّات البرية على تقليص مساحة تمدّدها الأفقي في الأحياء الشمالية من قطاع غزة، وتركيز الزخم العملياتي على نقاط محصورة في أحياء الدرج والتفاح في شرق مدينة غزة، ومخيمات البريج والمغازي في وسطها، ومدينة خانيونس جنوبي القطاع.
أما في الشمال، فقد واصلت القوات الإسرائيلية التراجع وإعادة التموضع، من عمق الأحياء المدينية، إلى الأطراف في بيت لاهيا وبيت حانون والشيخ رضوان. على أن هذه التحرّكات، لم تمنع العمل العسكري للمقاومة، حيث تواصلت الاشتباكات طوال ليلة الخميس – الجمعة، ويوم أمس، على خطوط التماس كافة، ما دفع الدبابات الإسرائيلية إلى التقدّم مجدّداً في أحياء بيت لاهيا، في محاولة لصناعة ما يشبه حائط صدّ أمامي، يمنع المقاومين من العمل في اتجاه المواقع المُستحدثة للجيش الإسرائيلي، والتي يُعسكر فيها الآلاف من الجنود والآليات.
في غضون ذلك، يمكن القول إن المقاومة، في الوقت الحالي، تعيش ذروة فترات ارتياحها الميداني، حيث ساهم تبادل التجربة والخبرات بين المقاتلين في محاور القتال، في حرمان العدو من كلّ عناصر المفاجأة، فيما تبدي المقاومة تكتيكات شديدة المرونة، إذ، ببساطة، يُسمح للدبابات الإسرائيلية بالتقدّم، بينما يكمن المقاومون لساعات أو حتى أيام لها.
وحينما تتراجع حدّة النيران والقصف، تبدأ «الجيوب» في المواجهة وتفعيل الشراك والكمائن المميتة. ومن هنا، يقع جيش الاحتلال، في كل مرّة، في أزمة الفقر المعلوماتي والاستخباري. ويقول شاهد عيان جرى اعتقاله من منزله في شمال غزة، لـ«الأخبار»، إن «ضبّاط الشاباك طلبوا منه إخبارهم بأي معلومة يمكن أن تقودهم إلى المنازل المفخّخة، مقابل الإفراج عن مئات المعتقلين الشباب من أفراد حيّه على الفور».
على أن ما يعقّد المشهد الميداني من جهة قوات العدو، هو أن عمليات المقاومة المفاجئة، يجري التخطيط لها غالباً خلال القتال، أي أن الكمائن والشِّراك، تُنفّذ فعلياً خلال تحليق طائرات الاستطلاع، وفي خضمّ القصف الجوي والمدفعي العنيف، ما يعني أن فُرص الوقاية من الوقوع في فخ التفجير والالتحام المباشر تبدو مستحيلة.
ويحقّ القول، إن ثمّة حرب استنزاف وعضّ أصابع متبادلة، هي التي تتحكّم بسلوك الميدان، حيث تحاول القوات البرية في جيش العدو، الوصول إلى إنجاز عمليّاتي يصنع صورة النصر التي يمكن أن يتوقّف عندها القتال، بينما تقاتل المقاومة بلحمها الحيّ، وتقضم المزيد من أيام الحرب، وتحاول مضاعفة الخسائر البشرية في صفوف الاحتلال، وصولاً إلى المرحلة التي تستهلك فيها الحرب نفسها، ويصبح استمرارها بلا معنى وبلا قيمة.
وعلى الجانب الآخر من المشهد، يُواصل جيش العدو سلوك التدمير الممنهج، حيث تُسوّى أحياء بأكملها يومياً بالأرض، فيما خرجت البنى التحتية في مناطق القطاع كافة تماماً عن الخدمة، في منحى يراهن العدو على أنه سيصبح في ما بعد، ورقة ابتزاز على طاولة التفاوض من جهة، وأداةً لصناعة بيئة طاردة تدفع السكان إلى خيار الهجرة الطوعية في فترة ما بعد الحرب، من جهة أخرى.
وحول العمليات البرّية داخل القطاع، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقالاً لرون بن يشاي، رأى فيه أن «الحرب أمست في طابقين، أي فوق الأرض وتحتها»، مشيراً إلى أن هذه «الحرب المُستحدثة» في التاريخ العسكري، تحتاج إلى أساليب جديدة وحذرة لمواجهتها.
ويوضح بن يشاي أن «الطابق العلوي هو المنطقة المبنية فوق الأرض، والطابق السفلي هو مدينة الأنفاق والمنشآت القتالية التي بنتها حماس تحت الأرض على مدى 15 عاماً بأموال طائلة وبراعة عالية. معظم تشكيل الأنفاق هذا، تعرفه استخبارات الجيش الإسرائيلي والشاباك، لكن في الحقيقة لا تستطيع الوصول إليه وتدميره سريعاً».
صحيفة الأخبار اللبنانية