شرفات

الحكاية في عسال الورد: مدرسة السرد الأولى

عماد نداف

الفرق كبير وواضح بين أن تسمع الحكاية أو تكتبها، وأنا أجد متعة في الحالتين، وعندما أسعى للنجاح في كتابة نص روائي أو قصصي أبني على تجربتي في سماع الحكاية، ولهذه الثقافة التي عندي عدة مصادر، أحاول أن أبينها الآن على طريقتي، فأنا ابن قرية اسمها عسال الورد في منطقة القلمون ، وكان أبي أستاذا في المدرسة قبل ثمانين سنة، ثم نُقل إلى دمشق لعمل إداري، لكن القرية ظلت هاجسنا رغم أننا لانملك بيتا فيها .

كنت صغيرا عندما تجمهرتُ مع بعض الأطفال في بيت عمي أحمد رضا منصور، وشرع يحكي لنا قصص الضباع وصراعها مع السكان، ورغم أن حكاياته كانت آسرة في مضمونها الخيالي، كما أعتقد الآن، إلا أن أسلوبه في السرد كان قادرا على جعلنا نتابع بشغف تفاصيل حكايات الضبع، فقد كان يمثل لنا بيديه وأسنانه المعركة التي تتم بين جده والضبع ، وخاصة تلك اللحظة التي وجد الضبع فيها نفسه أمام فوهة (الجفت) وهي بندقية صيد عتيقة.

لجأ الضبع إلى الضغط بأسنانه على الفوهة، طقطقت أسنانه، كما مثل عمي المشهد، فتعالت أصوات أسنانه مع الفوهة، ولم يتراجع، فما كان من جدنا إلا أن أطلق النار في فمه ، فهوى الضبع مضرجا بدمه، فسحبه إلى القرية ورماه في الساحة كبطل انتصر على التنين.

كان عمي يتابع حكاياته عن رحلات السفر الجميلة مشيا على الأقدام ، ويحدثنا عن كرم أهالي القلمون لأنه لم يكن هناك فنادق ولا سيارات، وهذا يعني أنه كان يضطر للنوم في أي بيت يطرق بابه، وفي تلك الحكايات ما يجذب الروح إلى معادن الناس الأصيلة.

كذلك كانت أمي تعيد لنا حكاية التاجر اليهودي الذي قدم قرضا لأحد الناس واشترط أن يعطيه قطعة من لحمه إذا تأخر عن دفع القرض مع فوائده، واكتشفت عندما كبرت أن الحكاية تعود لمسرحية شكسبير تاجر البندقية، وقد حكتها لي أمي عدة مرات وفي كل مرة كنت أشعر بجاذبية أكثر لسماعها..

كذلك سمعت حكاية جدتي عن الضبع الذي داهم امرأة غاب زوجها في ليالي الشتاء، وأخذ يحفر تحت الباب للدخول إلى بيتها والتهامها ، فاضطرت لوضع المحراث الحديدي في الموقد وقطعت رأسه عندما خرج من الفجوة التي فتحها تحت الباب، وراح صدى صوته يوقظ سكان القرية القابعة تخت ثلج سميك.

لكن الحكاية الأروع التي كان يحكيها أحد أقاربي ويدعى (أبو ابراهيم غالية) مع عزف على الربابة، هي التي جعلت سرديته عن الزير سالم أكثر روعة، فقد كان يحكي السيرة ، ويغني مقاطع منها مع عزف منفرد على الربابة، وكان الحضور صغارا وكبارا يتابعون باندهاش ويسألون بعد أن تنتهي عن بعض التفاصيل..

عندما بدأتُ القراءة في المرحلة الابتدائية، أعطاني أبي كتب جدي، وكان بينها الرسالة القشيرية، المليئة بحكايات الصوفيين، فقرأتها أكثر من مرة، وفي تلك القصص نوع آخر من القص يمكن وصفه بمدرسة مميزة في السرد.

لكي تتعلم سرد الحكاية عليك أن تبحث عن الشغف الذي كان ينتابك عند سماعها أو قراءتها، هل هو في الحكاية نفسها، هل هو في أبطالها وشخصياتها، هل هو في طريقة السرد الشفوي، ثم تسأل نفسك : كيف أكتب حكاية على الورق ؟!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى