الخلافة بين الحقيقة والوهم (رمزي زقلمة)

 

رمزي زقلمة

دعاني الأمر كمصري عاشق لوطنه وحريص عليه أن أتناول هذا الموضوع الشائك، رغما أني لست مؤهلا للخوض فيه فأرجو المعذرة. إن إحياء الخلافة ليس بالجديد بل أمر طال شرحه وممارسته والجدل حوله لأن بريقه يسيل لعاب التيار الإسلامي عامة في منطقتي الشرقين وتتبناه مجموعات
الإسلام السياسي وأسلافهم وخلفائهم في إمكانية تحقيقه اليوم – رغما مما سيحدث من تمزيق للوطن ومحو الانتماء القومي ووضع البلاد علي حافة حرب أهلية، سوف أتناول هذا الموضوع مستندا الي الدراسة الرائعة للدكتور رفعت السعيد، التي أوجزها دون خلل وأنجزها بلا وجل بدءا بالخلفاء الراشدين الي أتاتورك وأردوغان مرورا بالعباسيين والأمويين، لهذا سوف ألقي الضوء علي بعض الفقرات دون رابط لنتعرف علي مسارها التاريخي بالنسبة لمصر حتي تولي د. مرسي الرئاسة عن طريق الصناديق السوداء ثم إصرار عدد من الجماعات السلفية علي إثارة هذ المسألة باعتبارها فريضة واجبة النفاذ، فمنذ وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم أثيرت الخلافة وتطلع البعض من آل البيت اليها، ويستندون في ذلك الي آيات من القرآن الكريم مثل «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» (النساء – 105)، أما في مصر فقد هاجم قاسم أمين، الخلافة وتلاه الإمام محمد عبده رافضا الفكرة من الأساس أي وجود خليفة يحكم باسم السماء ويسترسل جازما: من الضلال القول بتوحيد الإسلام للسلطتين المدنية والدينية، وهذه فكرة خطأ محض ودخيلة علي الإسلام، وتمضي المعركة سجالا لتأتي ثورة عام 19 فتحسم الأمر لصالح الدولة المدنية تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع». وكما أتت الخلافة العثمانية من تركيا فإن نهايتها أتت أيضا من هناك، وهذا يفسر لنا عمق المعركة الحالية بين العلمانيين الأتراك وبين حكم الرئيس أردوغان، لقد أغري المنصب الكثير من الحكام مثل الملك أمان الله ملك الأفغان والملك حسين بن علي والملك فؤاد الأول الذي تحصن بالثقل الحضاري والثقافي لمصر وبأزهرها الشريف ولكن كان سعد زغلول شديد العداء للرغبة الملكية وكان انعقاد مؤتمر 17 مايو 1926 إشعارا لوفاة هذه الرغبة، ثم جاء الشيخ علي عبدالرازق صاحب الضجة الأكثر صخبا في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» ثمرة دراساته ورؤيته متوجا آرائه قائلا: إنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة علي الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد.. ثم يسأل الشيخ: هل كان الرسول ملكا أم رسولا فقط؟ ويجيب: إن القرآن صريح في أن محمد صلي الله عليه وسلم لم يكن إلا رسولا خلت من قبله الرسول، وإن كل الذين تزعموا المسلمين من بعده ومن بينهم الخلفاء الراشدون كانت زعاماتهم مدنية أو سياسية وليست دينية.
وبرغم كل هذا يتمسك البعض بهذا الوهم ليس عن عشق وإنما من مصلحة، فهذا الوهم يمنحهم أكبر إمكانية للوصول الي السلطة وأن يصبح أميرهم أو مرشدهم ليس مجرد مرشد لجماعة كبرت أو صغرت وإنما أمير للمؤمنين جميعا.
«يرجي الرجوع الي مقدمة ووثيقة الجماعة المعنونة «النظام العام للإخوان المسلمين» خاصة ما جاء بالمادة الثانية».
والآن ومع تبني التيار الجديد الذي يروج له الغرب تحت مسمي «الربيع العربي» يأتي السؤال: هل هذا أيضا حلم أو مؤامرة أو دغدغة لمشاعر شريحة كبيرة من سكان العالم، أم إلهاء لتتفاعل وتتناحر الجماعات فيما بينهم حتي يبعدوا خطر نموهم عن الغرب الليبرالي وتعطيل اندفاعه نحو العلمانية العالمية أو ما يسمي بالنظام العالمي الجديد The New World Order.
وأختم كلمتي هو خوفي علي مصر أن تدور في هذا الفلك فينخر هذا التيار في كيانها الغريب عنها تماما فتضيع ويصبح موقعها من التاريخ «كانت هنا حضارة فرعونية علمت العالم وكان اسمها مصر وخصها الله في كتبه، واليوم هي ولاية باهتة في ثوب غير ثوبها وسوف تترنح بين الأصالة والوهم.. والله أعلم.

صحيفة الوفد المصرية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى