الداخل الأميركي نحو خطواتٍ مهمة وروسيا والصين وإيران وسورية ملفات اشتباك.. ماذا ستطلب إدارة بايدن من دمشق؟ وهل يستمر ابتزازها المالي لدول الخليج
كثيرةٌ هي التحليلات والتوصيفات لجهة استقراء المرحلة المقبلة للولايات المتحدة بعد تنصيب بايدن رئيساً للبلاد، ثمة من يقول أننا على موعد مع نهج جديد يخطه قلم بايدن في سجل أميركا برؤية جديدة وسيناريو مختلف عن أربع سنوات من حكم ترامب، كانت مليئةً بالمشاهدات الغريبة والسلوك الاستثناء ، أولى بوادر ” التغيير ” كانت بإلغاء قرار حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية للولايات المتحدة كان قد أقره ترامب، والحديث عن عودة مرتقبة لاتفاقية باريس للمناخ، وكذلك الاتفاق النووي مع إيران .
لا يجادل أحداً ربما، بأن بايدن سيتخذ خطوات كبيرة نحو المحو التدريجي لتركة ترامب، نتحدث هنا تحديداً عن الداخل الأميركي، ومحاولة بايدن بقوة أن يكون رئيساً لكل الأميركيين كما قال، فتعيينه لكامالا هاريس نائبة للرئيس، ولويد أوستين وزيراً للدفاع، هو يؤكد خطوات الرجل نحو تعزيز الوحدة بشكل أكبر في المجتمع الأميركي، ونسفاً للعنصرية وتعالي البيض، ولا يجادل أحداً أيضاً نحو إجراءات مهمة سيتخذها بايدن، نحو منظومة صحية أميركية أكثر قوة ورفعة تليق بدولة كالولايات المتحدة، بعد أن ظهر جلياً مدى عجزها وضعفها خلال جائحة كورونا ، ولاشك بأن الرئيس الجديد سيعمل على توفير تأمين صحي لمواطنيه، ويعويض الاقتصاد الأميركي المتضرر من الجائحة، بهدف تعزيز الداخل وإظهار المسؤولية في مواجهة المخاطر والتحديات. لكن ماذا عن السياسة الخارجية وملفات كبيرة في المنطقة كانت اليد الأميركية هي الطولى والمفصّلة لمشاهد الدم والخراب والقتل على امتداد جغرافيات بعينها؟
أولى الملامح التي تتحدث عن ماهية السياسة الخارجية الأميركية، رسمها وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال جلسة استماع أمام لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ، دعا خلالها إلى ضرورة إحياء التحالفات القديمة للولايات المتحدة، لإنشاء ماأسماها “جبهة موحدة” لمواجهة روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران ، بلينكن قال أيضاً: عندما لا نقود فثمة أحد آخر سيملأ مكاننا، ولكن بطريقة لاتعزز مصالحنا، أو أن لا أحد سيفعل ذلك، هذه الرؤية الواضحة بتعابيرها وضوح الشمس، تشي بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دور القائد والمحدد لشكل النظام السياسي في العالم، ولن تتنازل أو تنسحب من مشهدية كباشها مع خصومها دون مقابل، أو بالشكل الذي يسمح بتصاعد قوى أخرى تسحب منها هذا الدور .
ثاني تلك الملامح هو وصول أوستن لقيادة البنتاغون ، صاحب الحضور العسكري والميداني “الصاخب” في المنطقة، وتحديدا في العراق وأفغانستان، وهو كان من الذين دعوا لزيادة عديد القوات الأميركية في العراق، وهو من يصف روسيا بالعدو، ويعبر بشكل مباشر عن التنامي المقلق للصين الذي يجب مواجهته والحد منه، كما قال في أول اتصال هاتفي مع نظيره البريطاني بعد تسلمه حقيبة الدفاع.
الرفع الأولي للعقوبات عن إيران كبادرة حسن نية للعودة إلى الاتفاق النووي معها، يبدو صعباً أن يتخذه بايدن، الذي قيل أنه يدعم تلك العودة لكن ببنود جديدة، وهو ماحسمته طهران عندما أعلنت عن عدم نيتها مناقشة اتفاق جديد، وحسمت النقاش فيما يتعلق بملفها الصاروخي، وتالياً استمرار مشهد الكباش مع الولايات المتحدة.
في الشمال السوري قد لا نشهد تطوراً لافتاً بانسحاب أميركي كامل من المنطقة، إذ من المتوقع أن تجدد الإدارة الجديدة مطالب الإدارة القديمة من دمشق، لجهة أن أي تطور هو مرهون بحزمة أمور متعلقة بالانسحاب الإيراني، وبيانات عن “الجهاديين الأجانب” وحصة في إعادة الإعمار، وهو سيدفع بايدن لتعزيز الورقة الكردية، إذا مااستمرت دمشق في رفض المطالب الأميركية.
تعزيز العلاقة مع دول الخليج واستمرار ابتزازها مالياً ودفعها لفاتورة الحماية الأميركية، هو سيستمر ولكن ليس بأسلوب ترامب “الصلف” المباشر، إنما بطريقة أكثر “ودية “ظاهرها” احترام وعلاقات متبادلة” وباطنها رئيسٌ ومرؤوس ، ناهيك عن أن تلك الدول هي التي ستبادر أصلاً لملئ سلة بايدن بالعطاءات السياسية لتعويض ما تراه خسارةً برحيل ترامب.
روعي شارون محلل الشؤون العسكرية في هيئة البث الرسمية الاسرائيلية ” كان ” ونقلاً عن مصادر رفيعة قال: أنهم مستمرون في منع تمركز إيران في سورية بغض النظر عمن يصل للبيت الأبيض، هذا يؤكد استمرار التوجهات الإسرائيلية للضغط على بايدن والمصادقة العملية على تفعيل المواجهة مع طهران، ولعل العدوان الأخير على حماه هو أولى الرسائل السياسية لبايدن.
المسلسل الأميركي في تصدير حلقات وأجزاء الهيمنة والتسلط وإرهاب الدولة مستمر، وهي البدهية الأساس في تعاطي الولايات المتحدة السياسي الذي لا يتعلق بمن يأتي ومن يغادر ، قد يختلف السرد لكن السيناريست هو ذاته، والسيناريو هو نفسه.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية