الذكرى العاشرة لرحيل نجيب محفوظ.. «آفة حارتنا النسيان»
خلال أيام، تمرّ الذكرى العاشرة لرحيل عميد الرواية العربية نجيب محفوظ (1911-2006)؛ وهي مناسبة ستفاجأ بها المؤسسة الثقافية الرسمية المترهلة بيروقراطيا. وستمرّ كما مرّت غيرها من مناسبات، لنكرر مقولة محفوظ الشهيرة التي صارت أيقونة مملّة من فرط تكرارها «آفة حارتنا النسيان». باستثناء «المجلس الأعلى للثقافة» الذي أعلن عن احتفالية تقام يوم 30 أغسطس (آب) الحالي، يتحدث فيها بعض المثقفين، (لم تتحدد اسماؤهم بعد)، فضلا عن عرض فيلم تسجيلي عن الراحل. بيد أن بقية المؤسسات اتخذت موقفا مغايرا، بل يكاد يكون نقيضا للاحتفال. «هيئة الكتاب» قررت إلغاء السلسلة النقدية التي تحمل اسم محفوظ ويرأس تحريرها الروائي يوسف القعيد، وقد علّل رئيس الهيئة هيثم الحاج علي إلغاء السلسلة بـ «لعدم انتظامها في الصــدور» و«تفتقر إلى موضوع محدد وخطة نشر طويلة المدى» و«كذلك لعدم وجود دراسات جيدة عن نجيب محفوظ».
والمفارقة أن الحاج علي يعاود التأكيد على أن قيمة «الأستاذ نجيب محفوظ ليست في سلسلة نشر»، وأنه كان من الداعين ولايزال لإنشاء «معهد لدراسات نجيب محفوظ». يوسف القعيد، من جانبه، حمّل مطابع هيئة الكتاب مسؤولية عدم انتظام السلسلة، مشيرا إلى أن في المطابع أربعة كتب من السلسلة لم تصدر حتى الآن.
وبرغم تأكيدات رئيس الهيئة أن السلسلة متعثرة لعدم وجود دراسات جادة عن محفوظ إلا أنه أصدر الأيام الماضية كتابا بعنوان «قصص نجيب محفوظ التي لم تنشر».. وهو كتاب رفض يوسف القعيد نشره في سلسلة «نجيب محفوظ» لعدم تمكن كاتب مقدمة الكتاب محمود علي من الحصول على حقوق النشر من ورثة نجيب محفوظ. لكن الهيئة نشرته في خطة النشر العام بدون الحصول على تصريح من الأسرة، إذ يتضمن الكتاب 40 قصة من بدايات محفوظ، وكان يتطلب نشرها موافقة أسرة محفوظ الذي اعترض أثناء حياته على نشر قصص البدايات معتبرا أنه تجاوزها، ويمكن للباحثين فقط دراستها في المجلات التي نشرتها في حينه، إذ كان محفوظ اعترض أثناء حياته على نشر الكثير من هذه القصص في مجموعتين أصدرتهما «مكتبة مصر» بدون الرجوع إليه. لهذا تنوي أسرة محفوظ – وفق تصريح أحد أصدقاء العائلة المقربين منهم – رفع دعوى قضائية ضد هيئة الكتاب مطالبة بتعويض مالي كبير، ووقف توزيع الكتاب الذي يُعدّ نشره جريمة من وجهة نظرهم!
وعود متكررة
وإلى جانب آخر، كانت «وزارة الثقافة»، قد أعلنت بعد رحيل محفوظ عن إقامة متحف له، ولكن حتى الآن لم يتمّ أي شيء، فقط وعود متكررة من وزراء ليسوا دائمين. هذه المرّة وعد حلمي النمنم بالانتهاء من المتحف وافتتاحه في «ديسمبر» (كانون الأول) المقبل، في ذكرى مولد محفوظ. لكن كل المؤشرات تؤكد صعوبة الانتهاء من المتحف خلال الشهور الثلاثة المقبلة، إذ لم يبدأ أي عمل حقيقي فيه.. ولا يزال صاحب نوبل يبحث عن متحف، إذ لم يحدث شيءٌ مما أُعلن عنه إثر رحيله: لا المتحف الذي اقترحت وزارة الثقافة المصرية إقامته، ولا مشروع «المزارات المحفوظية» الذي أعلنت عنه محافظة القاهرة وطرحه الروائي جمال الغيطاني.
تبدأ حكاية المتحف بتخصيص «وكالة محمد بك أبو الدهب» المجاورة لجامع الأزهر كمتحف لمحفوظ، وبدأت «وزارة الثقافة» في إعداد المكان ورسوماته الهندسية، لكن وزارة الآثار اعترضت على تخصيص كل المبنى كمتحف، وطلبت تخصيص الدور الثاني فقط على أن يصبح الدور الأول للمكان مخصصا للحفلات الموسيقية. لهذا بحثت وزارة الثقافة عن مكان آخر للمتحف، واختارت قصر «الأمير بشتاك»، وأرسلت إلى وزارة الآثار التي طبت عرض الأمر على اللجنة الدائمة ولم ترد حتى الآن على طلب وزارة الثقافة، التي لا تعرف أيضا أن قصر «الأمير بشتاك» ـ (المخصص الآن كبيت للموسيقى والغناء) ـ لا يصلح متحفا لمحفوظ لأسباب هندسية. وكانت أسرة محفوظ قد سلمت «صندوق التنمية الثقافية» وكلّ مقتنياته وأوسمته ومكتبته وجوائزه التي حصل عليها، كما تبرع عدد من أصدقائه ببعض مقتنياتهم الخاصة: محمد سلماوي تبرّع بالعصا الخاصة بمحفوظ التي كان قد أهداها له، ويحيى الرخاوي تبرع بصورة من «خمس» كراسات كان محفوظ يتدرب فيها على الكتابة كنوع من العلاج بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها عام 1994. وقد وُضع تصوّرٌ لشكل المتحف، على أن يتضمن مكتبةً ضخمةً تحوي كل مؤلفات عميد الرواية العربية والدراسات والأبحاث التي صدرت عنه بكلّ اللغات لتصبح المكتبة بمثابة مرجع لمن يريد دراسته، فضلاً عن «سينماتيك» خاص بكل أفلامه.
مزارات
المشروع الآخر هو «مزارات محفوظ» السياحية. وهو مشروع تتبناه محافظة القاهرة بعد اقتراح تقدم به الروائي جمال الغيطاني. هكذا، أُلِّفَت لجنة ضمت محمد سلماوي، ويوسف القعيد، وسعيد الكفراوي. واتُّفق على أن يبدأ المشروع بتسجيل الأماكن المرتبطة بمحفوظ مثل المقاهي والمنازل والأماكن الأثيرة لديه، وخصوصاً في القاهرة القديمة، على أن يُعرَّف بهذه الأماكن ويُرَمّم بعضها. أما المستوى الثاني فهو المتعلق بعالم محفوظ الروائي، وخاصة في المرحلة الواقعية. ولحظ المشروع تحديث وترميم الأماكن التي دارت فيها أحداث رواياته وعاشت فيها الشخصيات التي دخلت الأدب الإنساني في العديد من اللغات مثل أحمد عبد الجواد في «الثلاثية» وحميدة في «زقاق المدق». على أن يُحَدَّد خط مسار للمزارات جميعها من خلال وضع أسهم ولافتات للأماكن وطبع كتيبات صغيرة بسعر زهيد يوضح خريطة المزارات بلغات متعددة ليقوم السياح بجولات تستعرض أماكن محفوظ. لكن لماذا توقف المشروع؟ يجيب سعيد الكفراوي: «لا أعرف. اجتمعنا وتمّ اتخاذ خطوات إيجابية. لكن كالعادة لم يحدث شيء». ويضيف: «هذا وطن بلا ذاكرة، نجيب محفوظ مثل يحيى حقي ويوسف إدريس، يذهب إلى النسيان. ويبدو أنّ النسيان من خواصّ مصر المعاصرة».
صحيفة السفير اللبنانية