“الروزنا” بين المشرق والمغرب

تقول الرواية المتواترة في المشرق العربي إنّ ” الروزنا ” … وقبل أن تصبح أغنية مع فيروز , تتمايل على إيقاعها الأعناق و تهزّ الخصور ـ هي اسم لسفينة بعث بها العثمانيون لترسو على الشواطئ اللبنانية وتغرق السوق بمواد غذائية وتموينية زهيدة الثمن قصد تركيع التجار والصناعيين والمزارعين في استقواء واضح و كيديّة جائرة , تعصف بالاقتصاد المحلي وتفقده قراره السيادي .

ما كان من تجار حلب عندئذ إلاّ أن هبّوا في بسالة رجل واحد لنجدة أقرانهم اللبنانيين و عمدوا لشراء كل منتجاتهم التي يهدّدها التلف بأثمان مجزية , فأنقذوهم من الإفلاس في حركة لم يعرف التاريخ أنبل منها كرماً ومؤازرة وإغاثة للشقيق المنكوب …فخلّدها في سجلّه الغنائي وتراثه الشفهي ثم زاد عليها غزلاً وطرباً واعتزازاً , بل وتحدّيا لما يمكن أن يخفيه المغرضون والانفصاليون وذئاب الفتنة والتقسيم .

وتقول الرواية المرادفة التي تسطّر خطوطها الآن في بلاد المغرب الكبير أنّ ضربة أصابت تونس في مقتل واستهدفت عصب اقتصادها الوطني عبر ما خطّطه ونفذه المأجورون من طيور الظلام فأقدموا على ارتكاب مجزرة شنيعة في حق السياحة التي تعيل مئات الآلاف من العائلات التونسية, وكذلك فعلوا منذ أشهر في متحف “باردو” … ومازالوا يخططون حقداً وغيرة لإلحاق البلاد بركب سادة مراحيض القصور من الجبناء والمتخلفين ….

كادت الشواطئ التونسية أن ينعق فوقها الغربان ويلتحق عمّال الفنادق والمعتاشون من الموسم السياحي بطوابير المعطلين وما أكثرهم, لولا نخوة من الأشقاء الجزائريين الذين نظّموا حملات المساندة قولاً وفعلاً في الداخل وبلاد الاغتراب الأوروبي ورفعوا شعاراً واحداً عن طريق وسائل الإعلام والتواصل وهو
” سأقضي الصيف في تونس وليسقط الإرهاب “..

هكذا هبّ نمور الجزائر ـ كما كان متوقّعاً ـ و لم يتنكروا للدماء التي اختلطت بدمائهم في ثورتهم العظيمة وكذلك فعلت منظمات مدنية ونسائية مغربية في مواقع الكترونية … وينسج على منوالهم الشرفاء من الليبيين الذين لم يجدوا إلاّ تونس تقاسمهم الماء والطعام والدواء في نكبتهم الراهنة رغم قسوة ظروفها.ستغني الحناجر يوما ـ كما غنّت فيروز “الروزنا ” في مشرق الوطن هذه الوقفة التي تشهد عن وحدة المصير وتذكّر بفرسان المحبة بعيدا عن المزايدات القومجية والشعارات السياسة التي قد تكبو أو تغيب أو تغيّر من مساراتها .

سيأتي يوم وينظر فيه حلبي سوري نظرة عتاب وتقريع , بل وباحتقار إلى بعض العنصريين والمعقّدين وأصحاب النفوس المريضة في لبنان , وسينظر تونسي بازدراء إلى من شارك ـ ولو بالسكوت ـ في الهجوم الإرهابي على المنشآت السياحية ….لكنّ عزاءنا الوحيد أنهم قلّة شاذة وضالة …والتاريخ لا يعترف
بالجبناء .

سنمضي إلى الشمس محمّلين بالعنب والتفاح …والتمور والزيتون والبرتقال ..وليسقط سماسرة “الروزنا “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى