السرّ وراء تسمية “البيت” و”القصيدة” في الشعر العربي
ما هي العلاقة بين المسكن، والمأوى والشعر عند العرب؟ سؤال قد يبدو معقداً، تكشف عنه إجابة بسيطة أن المقطع الذي تتأسس عليه القصيدة عند العرب يسمى بـ “البيت”.
ويسمى السطر من القصيدة العربية بالبيت، وترجع هذه التسمية إلى وجه الشبه بينه والبيت المعروف، فبيت الشعر يضم الكلام، كما يضم البيت أهله، لذلك سميت مقاطعه بالأوتاد تشبيها بأسباب البيوت وأوتادها.
كما أن نصف البيت أو صدره، يسمى المصراع تشبيهاً له بمصراعي الباب ويصطلح عليه بالمشد، أما النصف الثاني فيسمى بالمصراع الثاني أو القفل.
بل إن هذا البيت هو بشكل أيسر للفهم، يقوم على نظام الخيمة المزروعة في عمق الصحراء ويستوحي تفاصيلها وصناعتها، وكأنما الشعر أو القصيدة بكاملها هي مسكن يستريح إليه الشاعر من هموم الحياة لينظر إلى نفسه ويرى فيها ما يرى من خلال النظم.
ما هي القصيدة؟
هذا عن البيت، فماذا عن القصيدة؟ في البداية فإن كلمة قصيدة تشير في القواميس العربية إلى “العظم ذي المخ”، وهو ما يشبه القصيدة بالنسيج من الكلام المكسو بالمعاني، اللحم الحي، كما يرى الكاتب “جلال مقابلة” في مقالة له بعنوان “بيت القصيد”. ولا يطلق على الأبيات قصيدة إلا إذا بلغت سبعة، عند بعض النقّاد، وهو اتجاه قديم. ويبدو أن ذلك مرتبط بموروث عند العرب يتعلق بالرقم سبعة، فأشواط الطواف بالكعبة هي سبعة، والسماوات سبعة، وأيام الأسبوع أيضاً.
ومن الإشارات الجلية أن المعلقات المعروفة في العصر الجاهلي، كان عددها سبع، في أحد الآراء (البعض يجعلها عشراً)، وكانت تعلق بأستار الكعبة، وهذا يشير إلى دلالات ربط خفية تتطلب سبر أغوارها، لمعرفة هذه العلاقة بين الكعبة “البيت” والقصيدة والمعلقات والرقم سبعة عند العرب.
السبعة والكمال
الرقم سبعة له تاريخ مجيد عند الإنسانية عامة، وفي التراث العربي والإسلامي. فقد ارتبط في القران بالإنفاق “كمثل حبة أنبتت سبع سنابل” و”السبع المثاني” كما ارتبط في الإسلام عموماً بالطواف والسعي والحصيات السبع في رمي الجمرات والسبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة وغيرها.
وفي الجاهلية حيث تعود جذور الشعر العربي، كان الاستقسام بالأزلام، الذي يعبر عن واسطة بين الإنسان ومطلق الغيب، في معرفة المصير والقدر، يقوم على سبعة أقداح أو سهام.
وقد فسر الرقم سبعة بأنه دليل التمام والكمال عند الكثير من الحضارات القديمة كالسومرية، وحافظ العرب وغيرهم على هذه العلاقة التي ربما غابت جذورها اليوم.
فالقصيدة هي بحث عن تمام المشاعر والعواطف والتعبير عن الذات والعلاقة مع الوجود، وبهذا فهي تنشد التمام من خلال أبياتها السبع، وكل بيت هو مسكن ومأوى في حد ذاته.
القصيدة والخيمة والطريق
لعل الإشارة إلى العظم المكسو باللحم، تشابه عمارة الخيمة أو المبنى في كونه يقوم على الهيكل كالذي يكون في الخيمة من الأغصان والخشب ومن ثم الثوب أو السداة التي هي خيوط نسيجية تعبر عن اللحم.
وقد يراد بالقصيدة الاتجاه، من قصد، فهي تقود إلى السكينة والراحة وتحقيق ما تنشده الذات بالذهاب نحوها، عن طريق حفز النفس لاستخراج مكنونها من المعاني والحكمة.
وفي القاموس فإن كلمة “قَصْد” تعني بيان الطريق الموصِل إلى الحقّ، والمراد: بيان الطريق المستقيم. وكأنما ثمة علاقة ما بين القصيدة والقصد، في كون أن كلا منهما يقود إلى المضيع من الحقائق، بالبحث عن الاستقامة من خلال الكلام المرتب والموزون.
ويبقى كما قال عبدالقاهر الجرجاني إن “الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرّواية والذكاء” وهي إشارات جلية إلى ثلاثة من الأمور التي لا تتم إلا بالهدوء والموهبة والنسيج الدؤوب، لهذا كان الشعر “ديوان العرب” في جاهليتهم وإلى عصور قريبة، يشكل ذلك البيت الذي يسكنون إليه، والسجل والكتاب لتاريخهم وحياتهم وتصوراتهم عن العالم وأنفسهم.
العربية.نت