السلطان القاجاري مراد ميرزا يروي ‘رحلة مكَّة’
صدر عن منشورات المتوسط-إيطاليا، ودار السويدي للنشر والتوزيع (الإمارات)، كتاب جديد حمل عنوان ” رحلة مكَّة. من طهران إلى الحجاز عبوراً بالآستانة ومصر والشام”، وهو من تأليف السلطان القاجاري مراد ميرزا المعروف بلقب “حسام السلطنة” ومن ترجمة الدكتور عبدالكريم جرادات، الذي ترجمه عن اللغة الفارسية.
وجاء الكتاب في 448 صفحة من القطع الوسط.
والسلطان مراد ميرزا المشهور بلقب “حسام السلطنة” وهو نجل عبَّاس ميرزا، من رجالات الدولة البارزين، ومن الشخصيَّات المرموقة في العهد القاجاري، وكان عمّ الملك ناصر الدين شاه. شغل عدَّة مناصب في النصف الثاني من القرن الثالث عشر للهجرة، أهمُّها تسنُّمُهُ حُكْم ولايات مختلفة، ويُعدُّ غزو مدينة هِرَات الحَدَثَ الأهمَّ في حياته إلَّا أن عواقبه كانت وخيمة، وأبرزها انفصال المدينة عن إيران. عام 1287، رافق ناصر الدين شاه في رحلته إلى العراق لزيارة العَتَبَات المقدَّسة، وكان مسؤولاً عن أمن معسكر الملك وحمايته. وفي عام 1288، وبالإضافة لتولِّيه ولاية يَزْد، تمَّ تعيينه للمرَّة الرابعة والياً على خراسان، وفي السنة ذاتها أُحيلت إليه ولاية أصفهان عوضاً عن يَزْد، وفي الزيارة الأولى لناصر الدين شاه إلى أوروبا عام 1290 كان حسام السلطنة من المُلازِمين لركاب الملك، وفي نهاية عام 1293 كُلِّف بحكومة كردستان وكرمانشاه. تُوفِّي في الثاني من جمادى الأُولى 1300للهجرة عن عُمُر يناهز السابعة والستِّيْن.
اما المترجم د. عبد الكريم علي عبد الحميد جرادات، فهو حائزعلى دكتوراه الدولة في اللغة الفارسية وآدابها من جامعة طهران 2001 – 2004. نَشر وتَرجم مئات الأبحاث ما بين اللُّغتَيْن العربية والفارسية. من تأليفه وترجمته: “الفارسية والعرب” تأليف د. عبد المنعم محمَّد نور، طهران 2001. المشاركة في تأليف كتاب شرح الشاهنامة بالاعتماد على ترجمة البنداري العربية، نشر هيرمند، طهران، 2002. تصحيح وتحقيق وإكمال ترجمة كتاب “فريدة الأصقاع في ترجمة سلوان المطاع” 2009. ترجمة مجموعة من القصص الفارسية، نشر وزارة الثقافة الأردنية، مجلَّة أفكار، أعداد مختلفة، ترجمة كتاب تاريخ الأساطير الإيرانية، (مشترك مع الدكتور مازن النعيمي)، دمشق 2015 “تعلّم المكالمة اليومية عربي – فارسي” ،(مشترك مع الدكتور أحمد موسى) طهران، 2003.
وحازت ترجمته لــ” رحلة مكة “جائزة ابن بطوطة للترجمة في دورة عام 2019.
وتضمنت كلمة الجائزة الأتي:
تعد هذه الرحلة واحدة من أهمِّ رحلات الحجِّ المكتوبة باللغة الفارسية، ليس فقط للمكانة التي يتمتَّع بها صاحبها، بوصفه من بين أشهر الأمراء القاجاريِّيْن، فهو عمُّ الملك ناصر الدِّيْن شاه، وشخصية سياسية بارزة وواسعة النفوذ من شخصيات العصر القاجاري، ولكنْ، أيضاً لكونها رحلة ذات مسار طويل عبر قارَّات ثلاث، وسَفَر في البرِّ والبحر، وعبر الممالك، من إيران إلى روسيا، فتركيا ومصر والحجاز، فالشام. واستُقبل خلال رحلته من قبَل السلاطين والملوك والحكَّام ورجالات الدول بحفاوة كبيرة، وأُقيمت له المآدب، ومُنح الأوسمة، وجرى استقباله وتوديعه بمراسيم رسمية واحتفاء شعبي. ولا غرو في ذلك، فقد كان حسام السلطنة الشخصية الثانية بعد السلطان القاجاري. وقبل قيامه بهذه الرحلة إلى الحجِّ، والتي استمرَّت أكثر من تسعة شهور ما بين 6 آب (أغسطس) 1880، و23 أيَّار (مايو) 1881، فإن صاحب هذه اليوميات سبق له أن رافق الملك ناصر الدِّيْن شاه في رحلته الأولى إلى أوروبا سنة 1873.
على أن هذه الرحلة هي أكثر من رحلة على الحجِّ، فالمحطَّات التي توقَّف فيها الرحَّالة، واللقاءات التي أجراها مع الملوك والحكَّام باسم الحُكْم القاجاري، والصور التي نقلها والسطور التي دوَّنها في وصف المُدُن والناس والأحوال، إنما تجعل منها صفحات بالغة الأهمِّيَّة عن زمنها.
من المعروف أن غالبية رجالات البلاط القاجاري ممَّنْ كتبوا رحلاتهم في أواخر القرن التاسع عشر لم يُكلِّفوا أنفسهم عناء تدوين وقائع رحلاتهم، وما حفلت به من أخبار ومشاهدات وخواطر، فقد “كان كلُّ واحد منهم يصطحب معه كاتباً، ليكتب ما يُملي عليه صاحب الرحلة”، ولم يشذّ صاحب هذه اليوميات عن هذا التقليد، فقد استصحب معه الكاتب ميرزا رضا، فـ “كان ملازماً لِرِكَاب حسام السلطنة، وكان يخطُّ على عجل ما يُمليه عليه سُمُوُّ الأمير يوماً بيوم”.
وإذا كان “الطابع العامّ لجُلِّ الرحلات التي قام بها الشاه ورجالات حاشيته مرتبطة بالمرح، واحتساء القهوة، وتدخين النرجيلة، وتبادل المجاملات مع الآخرين”، فإن يوميات حسام السلطنة احتوت على ما هو أكثر قليلاً من ذلك، من حيث إنها حفلت بمعلومات أخرى قيِّمة.
إلى جانب دقَّته في الترجمة، وأمانته في النقل من الفارسية إلى العربية، في لغة سلسة ورائقة، بذل المترجم جهداً كبيراً في ضبط أسماء الأعلام والأسماء الجغرافية، وحاول شرح ما غمض، وتصويب ما يمكن أن يكون خطأ، وقع فيه الناسخ أو حتَّى المؤلِّف، لا سيَّما فيما يتعلَّق بأسماء الأماكن ومواقعها والشخصيات وتواريخها ممَّا ورد في متن النصِّ الفارسي وحواشيه. وقد استحقَّ عن هذه الترجمة جائزة ابن بطوطة – فرع الرحلة المترجمة.
من الكتاب:
“ذهبتُ مساء إلى حمَّام في السوق، كان قد تمَّ إخلاؤه لنا بأمر من حكومة الشام. حمَّامات الشام في غاية روعة التصميم والرونق، بحيث يعجز اللسان عن وصفها. خرجتُ من الحمَّام بعد مضي ساعة من الليل”
“جاء الخديوي حتَّى السلالم لاستقبالنا، لم أطاوعه وهو يحاول تقديمي للدخول، فدخلنا سوياً، ولم أقبل أن أجلس مجلساً أعلى من مجلسه، فجلستُ وإيَّاه على سرير مَلَكِيٍّ واحد، وانشغلنا بالحديث”.
“تعاني مكَّة من شُحِّ المياه، ولا تجد فيها المياه الجارية أو الخزَّانات أو الأحواض، يقوم السَّقَّاؤون بجَلْب الماء بالقِرَب من خارج المدينة، ويبيعونه للحُجَّاج وغيرهم، عدد الحمَّامات فيها قليل، ومناخها حارٌّ جدَّاً، وجافٌّ، لذا تجد معظم الناس بعد الحجِّ يذهبون إلى المصايف”.