فن و ثقافة

السيناريو في المسلسل التركي (الحب الأعمى)

عماد نداف

تورطت منذ عام ونصف في دراسة الدراما التركية المدبلجة، ولا أخفي أنني تأخرت عن هذه التعاطي مع هذه الفكرة، فقد كنت معارضا لمشروع (الدوبلاج) الذي غزا المشاهد العربي ، ونقلت احتجاجي قبل نحو عشرين سنة إلى الفنانة لورا أبو أسعد التي كانت تدير واحدة من الشركات الهامة وأنجزت دبلجة مسلسل (وادي الذئاب) التركي الشهير إلى العربية، وكنا في مكتب الأستاذ تميم ضويحي في التلفزيون السوري، عندما حاولت إقناعي بأهمية عملها، فأرسلت لي أقراصا مدمجة لمشاهدة المسلسل، ولم أشاهده !

في سياق تدفق الإنتاج الجديد القائم على إعادة إنتاج بعض الأعمال التركية بشخصيات عربية، وجدت نفسي مضطرا إلى العودة إلى الدوبلاج، وذلك بسبب التعرف على دوافع هذه العملية الإنتاجية، فشاهدت مسلسل (أرطغرل) التاريخي، ثم مسلسل (عثمان المؤسس) وهو تاريخي أيضاً، وقد تورطت قبل نحو شهر بمشاهدة دوبلاج مسلسل (الحب الأعمى) رغبة مني في معرفة تطور الأداء عند الممثل التركي بوراك اوزجيفيت الذي لعب دور كمال سويدري في (حب أعمى) وهو مسلسل حديث (مودرن)، ثم لعب دور عثمان في (المؤسس) .

هناك ملاحظات كثيرة على الأعمال التركية، بل وهناك تكرار واضح في مشاهدها، فلو حذفنا من مسلسل (عثمان المؤسس) مشاهد الأحصنة لتناقص عدد الحلقات بنسبة 20 %، لكن هذه ليست المشكلة، ولست بصدد الحديث عنها، فقد اكتشفت جانبا هاما في كتابة السيناريو التركي، فهو مدرسة في الدراما التلفزيونية (تيلينوفيلا) ويتعلق هذا بتطور الشخصيات وترابط الخطوط الدرامية، وهي المهارة الأولى التي أنجزتها الدراما التركية وجعلتها آسرة ، وتحديدا في الأعمال التي شاهدتها.

وإذا كانت الفكرة التي يقوم عليها مسلسل (الحب الأعمى) قد اجترتها السينما العربية في بداياتها، كفكرة حب الغني للفقير، فإن طريقة المعالجة والأدوات المستخدمة لإنجاحها وتسويقها هي التي قد تجعل هذا الاجترار مبررا.

فالمسلسل درامي رومانسي أنتج عام 2015 وعُرض على قناة ستار تي في ، وهو من إخراج هلال سارال، ومن إنتاج كيرم شاتاي. يشمل طاقم العمل كتاب السيناريو أنيل إيكي وأوزليم يلماز وبوركو جورجون، وبطولة بوراك أوزجيفيت ونيسليهان أتاغول وكان أورغانجي أوغلو وفهرية أفجان.

أي أن ورشة درامية اشتغلت على كتابته تتألف من ثلاثة كتاب ، أما قصته فتدور حول شاب فقير يقع في حب فتاة ثرية، ويؤدي ذلك إلى صدام مع رجل غني يريد الزواج منها (لاحظ الفكرة كم تطرقت إليها السينما العربية والدراما المكسيكية وغيرها)..

تجرنا الأحداث البسيطة في بداياتها إلى تعقيدات جنائية واقتصادية ومنافسات دموية يربط بينها خيط واحد هو الصراع بين العاشق ومنافسه ذي النفوذ والقوة والبطش، ولذلك نحن أمام عشرات الشخصيات والخطوط الدرامية ومن الضروري هنا تتبع تطور هذه الأحداث والشخصيات وتبرير دخولها على الخط، أو ابتعادها عنه، وسط تشويق عالي المستوي يجعل متابعته وعلى مدار قد يصل إلى السنة آسراً.

وإذن نحن كمتابعين أو كنقاد نحتد على الإطالة والموضوع المكرر، فإن القائمين على جائزة إيمي الدولية قدموا جائزة أفضل تيلينوفيلا للحب الأعمى ، وكما جاء في المصادر فإن ذلك جعله علامة فارقة في تاريخ المسلسلات التركية، كونه أول مسلسل تركي يفوز بهذه الجائزة وأول مسلسل يصل إلى نهائياتها. كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في حفل توزيع جوائز سيول الدولية للدراما، حيث نال المخرج هلال سارال وأحد الممثلين البارزين بوراك أوزجيفيت جوائز في كوريا.

أيضا ، وكما جاء في الحديث عن هذا المسلسل فإنه وعند عرضه على قناة يونيفزيون في الولايات المتحدة، تجاوز المسلسل منافسيه ليصبح المسلسل الأجنبي الأكثر مشاهدة، حيث حقق أكثر من 2 مليون مشاهد يوميًا وما يقرب من 4 ملايين مشاهد في الحلقة الأخيرة. كما حققت قناة على يوتيوب نحو 295,000,000 مليون مشاهدة (بتاريخ سبتمبر 2024)، مما يجعلها واحدة من أكثر المسلسلات التركية مشاهدة على هذه المنصة.

من الطبيعي أن نعيد ذلك للعوامل الطبيعية في نجاح أي مسلسل، وهي النجوم والإخراج والتصوير والحكاية وغيرها من مستلزمات الانتاج، لكن النقطة التي أثارت انتباهي هي (السيناريو) لأنه لو لم الإيقاع متتابعا والشخصيات تتطور تبعا للأحداث، لما نجحت كل تلك الإمكانات في إنجاز مهمتها.

إن الورشة التي أقدمت على كتابة السيناريو هي المفتاح الحقيقي لتأسيس هذه المشروع ووضعه على سكة النجاح .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى