نوافذ

الشعبي والرسمي | ” غربي طاحونة عياش”

محمد الحفري

ربما لا ينتبه الكثير من الناس إلى الفارق الكبير بين الشعبي والرسمي كما جاء في عنوان هذه المادة، والذي نعني به الكاتب والفنان وأهل الإبداع عموماً، فقد يحصل بعضهم على الكثير من الجوائز والتكريمات والكثير من الحفاوة من قبل الجهات الحكومية والرسمية ويبقى في برجه العاجي كما يقال، معزولاً عن مجتمعه الشعبي، وناسه وأهله والذين يقاسمهم المأكل والمشرب والهواء وغيرها من المشتركات.

قد يعود ذلك إلى ضرورة العزلة التي يحتاجها المبدع على الأصعدة كافة ورغبته في عدم الانسجام والاندماج بمن حوله والاختلاط بهم، وقد يعود أيضاً إلى شعوره بالاختلاف والتميز عن غيره، وربما يرجع إلى اعتقاده أن هذا المجتمع لا يقدر عمله.

الأسباب كثيرة ولا تحصى على كل حال، لكن على المبدع أن لا يلوم من لا يعرفه، وذلك لأنه ببساطة لم يتقرب كثيراً من مجتمعه المحلي معتمداً على الرسمي والنخبة ممن يتشابهون معه في الطرح والتفكير وطريقة الإبداع، بينما استطاع غيره أن يصل إلى ما هو عليه من دون أن ينسى حاضنته الشعبية، وبقي ابناً لها ولصيقاً لأبناء الحي والشارع والمدينة التي ينتمي إليها، ولعلنا نجد في “نجيب محفوظ، وحنه مينه” ما يدلل على كلامنا هذا وقد أنجز كل منهما ما يشار إليه بكل احترام وتقدير، وبقيا في الآن ذاته في قلوب الناس ووجدانهم.

سمعنا أن أثمن هدية وصلت للدكتورعبد السلام العجيلي هي عنقود عنب كبير من أحد الذين عالجهم ذات يوم، وأنا لا أعرف بالضبط ما هي تلك الجائزة، أو ذلك الوسام الذي كان سيحصل عليه، وهو طبيب وروائي وكاتب سوري غني عن التعريف، لكنه وعندما سئل إذا كان هناك أهم من هذا التكريم؟ أجاب بما معناه : نعم ، لقد سمعت أحدهم وهو يغني :

“غربي طاحونة عياش

دق النجر بالليل

وأنا دخيل الدكتور

عبد السلام عجيلي”

ويرجح أن يكون الأديب العجيلي قد سمعها من أحد الرعاة أو أحد الذين يسقون مزروعاتهم وهو يقطع بسيارته تلك المساحات الشاسعة، وفي رواية أخرى وعلى ذمة من قص تلك الحكاية من أهل مدينة الرقة الجميلة، فإن تلك الكلمات قد وصلت إليه وهو في عيادته يداوي المرضى، وقد غنتها واحدة من بنات الرقة وعندها قال : ” تبشر بالعلاج والدواء” لكن من نقل له تلك الكلمات، أوضح له أنها لم تقصد ما فهمه من قولها، فهي فتاة “محيرة” وهذه عادة عند أهل الجزيرة السورية، وهي تقضي إلى زواج الفتاة من ابن عمها حتى لو أحبت، أو لهف قلبها لغيره، ويقال أن العجيلي قد لبى نداء تلك الفتاة التي استنجدت به، عندما أرسل عدداً من وجهاء الرقة إلى أهلها وإقناع والدها من أجل فك ذلك الرباط وتزويجها حسب رغبتها، وقد تم لهم ذلك.

قد يكون للأديب والطبيب العجيلي وضع خاص ومميز في مدينة الرقة وقد أصبح الكثير من الناس يربطون اسمها مع اسمه، لكننا ضربنا هذا المثال لنقول، أو لنبرهن أن بإمكان المبدع أن يكون شعبوياً ورسمياً في الآن ذاته، ويستطيع أن يكون فاعلاً في مجتمعه حتى لو لم تعجبه الكثير من تصرفات أفراده.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى