ابن غزة الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو
مدينتي،
أقراطها الزنابق البيضاء،
وعقدها حبّاته براعم الأنداء،
يحبّها علاءْ،
أخي الذي يجوع والربيع في مدينتي ذراع،
وبرتقاله على الشجر.
أخي الذي يرشٌّه الرصاص والمطر،
إليك من دمائه اللألاءة السلامْ،
ومن مدينتي السلام.
مدينتي الشاهرة السلاح والجراحْ،
متراسها الأمواج والنيران والرياحْ،
وخلفه تلألأت خوذتها الحمراءْ،
سحابة حمراءْ،
من اللهيب والدماءْ.
ومن قيودي التي تهزّني إلى النضالْ،
إلى الخنادق البعيدة المنالْ،
إلى البنادق الرفرافة الظلالْ،
وفوّهاتها العيون لا تنامْ،
سهرانة على السلامْ.
ومن يدي التي تحنُّ للزنادْ،
وضغطة على الزنادْ،
وصرخة الرصاصة الثاقبة الهواءْ،
هواؤك المقاتل الغزاهْ،
الهابطين بالأكفانِ
من مقابر الفضاءْ،
مصلَّبين كالدمى على الهواءْ.
وصرخة القنبلة الثاقبة الأمواجْ،
فتنهض الأمواج،
أعماقها المسنونة المياهْ،
تحفر القبور في المياهْ.
ووقفة في أرضك المنبتة العنادْ،
والحقد في النوافذ المكسورة الزجاجْ،
قناعه اللهيب والدخانْ،
فوّهة لبندقية بلا إصبع على الزنادْ،
تقاتل الغزاهْ،
ويحرس الحياهْ،
رصاصها المقاتل الغزاهْ.
وتطلق المدافع الحارسة الفضاءْ،
حمامة من اللهيب والدخانْ،
في الفضاء تحرس الفضاءْ.
والصوت ما يزال…
صوت المقاتل العنيد ما يزالْ،
صوت المدينة العنيدة النضالْ،
يرنُّ في الأنقاض والدخانْ،
يرنّ في جدارنا هنا فنلعن الجدارْ.
هنا ترفرف الشجاعة المكسورة الجناحْ،
هنا يد بلا سلاحْ،
هنا دم بلا جراحْ،
وبيننا وبين نارك الصديقة اللَّهيب،
يا بور سعيد هذه الأسوارْ
لكَّنها لم تثننا الأسوارُ
تطلّعي تري ظلالنا تهبُّ كالرياحْ،
إلى خنادق الكفاحْ.
تسلّقت ظلالنا القضبان والأسوار
ظلالنا الشاهرة السلاحُ.
ظلالنا تقاتل الغزاهْ،
والصوت ما يزال…
صوت المقاتل العنيد ما يزالْ،
يهبُّ في المدينة العنيدة النضالْ،
فتزهر الرجال في الأنقاض والدروب،
وتومض الأنفاس في الصدور،
وينبض السلاح من جديد،
في يد المقاتل الشهيد،
وتشهر النيران في النوافذ المكسورة الزجاج،
قبضاتها لتلهب الغزاهْ
وتعصف الرياح كالمدى
تسمِّر الغزاه،
على مسالك الدروب.
وفي مدينتي التي تهزُّها
عواصف الكفاحْ،
تهزّها من الجذور.
مدينتي التي نهارها رصاص،
وليلها رصاص،
وأرضها التي تعضّ في خطى الغزاهْ.
الصوت ما يزال
صوت المقاتل العنيد ما يزال،
يرنّ في المعسكرات والتلال،
وفي خطى النساء والأطفال والرجال،
إلى الأمام، والسلام يا ابتسامة الكفاحْ،
إلى الأمام، والسلام يا يدا بلا سلاحْ،
إلى الأمام، والسلام يا رصاصة تطيش،
من رعشة الحقد على الوحوش،
إلى الأمام، والسلام يا رصاصة تصيب
سلامنا لخندق يشمخ بالمتراس،
سلامنا لخندق عار بلا متراس،
سلامنا إليك يا فراشة،
قد رفرفت على غزال،
ومن حموا إشراقة النضال،
ومن حموا جمال،
وأقبلوا عليك بابتسامة السلام والسلاح،
وبابتسامة الكفاحْ.
معين بسيسو
(1928 – 1984)
صحيفة الأخبار اللبنانية