الظاهر بيبرس .. رؤية من بعيد (1 / 3) (محمد زكريا توفيق)

 

محمد زكريا توفيق

بعد معركة عين جالوت بسبعة أيام، في 10 سبتمبر/أيلول عام 1260، دخل السلطان "قطز" المنتصر، هو وجيشه، مدينة دمشق. الأمير "بيبرس"، النشيط المتقد، والملئ بالحيوية، أخذ يطارد فلول المغول، فقتل منهم أعدادا هائلة. دخل بيبرس كل المدن السورية يبحث عنهم، وذهب شمالا إلى أن بلغ نهر الفرات.
تأثير الدمار الذي أحدثه "هولاكو"، وتردد وجبن الناصر يوسف، الملك الأيوبي الخائن، وبسالة المماليك وشجاعة قطز وبيبرس، أنهت حكم الأيوبيين في سوريا، وجعلت الوحدة بين سوريا ومصر والعراق والشام، أمرا واجبا. تحت حكم المماليك، في إمبراطورية عفية وليدة، تمتد من مصر إلى الفرات.
منح السلطان قطز الإقطاعيات، وأغدق الأراضي، على الأمراء المماليك في سوريا. بيبرس الباسل، الذي لا يُنكر فضله، والذي قاد فيلق المماليك المتقدم ضد المغول، وحارب إلى جوار قطز ضد الصليبيين وضد المغول، طلب من قطز ولاية حلب.
هذا ثمن بخس، إذا ما قورن بما أسداه بيبرس من بسالة وشجاعة وخدمة للإسلام ومصر وللسلطان قطز. لكن قطز، لم يعط بيبرس ولاية حلب. خطأ فادح سوف يدفع قطز ثمنه لاحقا. ولاية حلب، كانت من نصيب الأمير علاء الدين، ابن بدر الدين لولو، حاكم الموصل، الذي زوج ابنته من السلطان أيبك التركماني، زوج شجر الدر.
بدر الدين هذا، من العبيد السلجق، ولا ينتمي للمماليك البحرية بصلة. المماليك البحرية، نسوا خلافاتهم مع مماليك أيبك، ومنهم قطز، وجاءوا لكي يحاربوا المغول. لكن، يبدو أن العداء القديم، بدأ يظهر من جديد.

• هروب إلى مصر

معظم الأمراء الأيوبيين في سوريا، قتلوا بأيدي المغول. لكن، الملك المنصور محمد، والذي هرب إلى مصر، تم إعطاؤه إمارة حماة. الملك الأشرف موسى، أمير حمص، والذي خان وانضم للمغول ضد شعبه، تمت إعادته أميرا على حمص من جديد. عيسى بن مهنا، رئيس العرب في سوريا، أعطيت له السلامية. (أخطاء أخرى لقطز)
في 5 أكتوبر/تشرين الأول، بعد 32 يوما من معركة عين جالوت، ترك السلطان قطز دمشق، متوجها إلى القاهرة ومعه بقية الجيش. الأمراء المماليك البحرية، يهيمن عليهم جو من القلق والترقب.
قطز، كان اليد اليمنى للسلطان أيبك، في عملية تحجيم المماليك البحرية، وقام بنفسه بقتل أميرهم أقطاي، وإلقاء رأسه لهم من فوق أسوار القلعة. هم الآن متوجسون، يرون أن قطز ينوي الغدر بهم مرة ثانية. قطز وبيبرس، يتساويان في الشجاعة والإقدام، والذكاء والإدارة.
لكن كل منهما ينتمي إلى فريق يعادي الآخر. هما، بعد أن اتضحت نوايا قطز، لا يستطيعان أن يعيشا سويا. أحدهما يجب أن يترك مكانه للآخر. هنا قام بيبرس بتدبير مؤامرة للتخلص من قطز.
عندما اقترب الجيش من مصر، أمر السلطان قطز بإقامة معسكر للراحة، عاقدا العزم على أن يقضي يوما في ممارسة رياضة الصيد. في نفس الوقت، كانت القاهرة تتزين بأبهى حليها لاستقبال الجيش المنتصر وسلطانها البطل المغوار قطز.
في إحدى الروايات، ركب قطز وبيبرس جواديهما وسارا جنبا إلى جنب. هنا طلب بيبرس من قطز أن يهبه جارية جميلة، كان قد سباها من صبايا المغول. لم يمانع قطز في هذا الطلب. شكره بيبرس بحرارة، وأمسك بيده لكي يقبلها.
كانت هذه هي إشارة البدء لبقية المتآمرين. الأمير "بكتوت الجوكندار"، سحب سيفه وضرب به رقبة السلطان قطز. الأمير "أنز الأصبهاني"، أمسك بالسلطان وهو فوق صهوة جواده وألقاه على الأرض. الأمير "بهادر المعزي"، أنهى المهمة بسهم من قوسه على مقربة. اليوم كان 24 أكتوبر/تشرين الأول، عام 1260.
ثم أسرع أمراء المماليك إلى الخيمة، يصرخ أحدهم قائلا: "من منكم قتل قطز؟". أجاب بيبرس: "أنا". فرد الأمير: "يا مولاي، اجلس هنا في كرسي السلطان". بعد ذلك، تقدم كل منهم لكي يقسم يمين الولاء للسلطان الجديد، بيبرس.
هكذا يموت صاحب صرخة "وا إسلاماه"، ميتة كلها غدر وخسة. بيد متوحشي السلطة وذئاب الليل البهيم. لكنها الطريقة الوحيدة، المعروفة في ذلك الوقت، لتداول السلطة. هذا هو رعب التاريخ، كما يقول الفيلسوف هيجل. الذي يضحي بالأبرياء، في سبيل تحقيق أهداف الحقيقة العليا.
فالتاريخ، مذبح مقدس، تقيد فيه الضحايا من البشر، وتقتل بدم بارد كقرابين. بهدف إحضار الحرية للإنسان وتحرير عقله. "مكر العقل الكلي"، كما يسميه هيجل، يستخدم جشع الإنسان ورغباته الملحة، لتحقيق أهداف الحقيقة العليا، التي تعمل على تطور الإنسان وتقدمه نحو الأفضل في الأمد البعيد.
لم يحكم قطز سوى 11 شهرا ونصف شهر. كان قائدا قويا قاسيا بعض الوقت. لكن شجاعته وعزمه، ليسا لهما مثيل في التاريخ المدون. كانت قوة شكيمته هي التي دفعت الأمراء المترددين دفعا إلى ملاقاة المغول.
وهو الذي قادهم بنفسه إلى النصر المبين. أنقذ مصر وما بقي من سوريا من دمار محقق، وليل مكفهر، وجنبهما مصير فارس والعراق، اللتين لم تقم لهما قائمة بعد هذا الدمار، إلى وقتنا هذا.
إذا كُتب لمصر نفس المصير، لتغير مصير العالم، وأصبحنا نعيش الآن في بلد غير البلد، ودين غير الدين، وعالم غير الذي نعيش فيه. لذلك، بسبب انتصار قطز على المغول، يستحق عن جدارة، أن يخلّد في ذاكرتنا، وفي كتب التاريخ، وأن يحفر اسمه بالنور في سجل الخالدين.

• احتلال القلعة

تيقن بيبرس أنه لن يكون مستقرا في الحكم، قبل أن يحتل القلعة في القاهرة. لذلك، توجه على الفور، هو ومؤيدوه من الأمراء المماليك، إلى القاهرة. ودخل القلعة خلسة في جنح الظلام.
الأوامر كانت قد صدرت من قبل بتزيين القاهرة، لاستقبال المنتصر قطز وجيشه الباسل. وكان الناس في قمة السعادة والفرح بعد سماعهم لأنباء انتصار جيشهم على المغول.
لكن، مع خيوط الشمس الأولى، بدأت أصوات الصراخ والعويل والبكاء تملأ الشوارع والحارات. وأخذ المنادي ينادي بأعلى صوته: "رحمة الله على مولانا الملك المظفر قطز. وادعوا بطول العمر للسلطان الجديد بيبرس".
في 12 يناير/كانون الثاني عام 1261، كان بيبرس يسير في شوارع القاهرة، أمامه الفرسان بالسروج المذهبة. فوق رأسه مظلة حرير تزين حوافها تماثيل الطيور الذهبية والفضية. كانت تستخدم أيام الفاطميين.
السلطان بيبرس نفسه، يلبس عمامة سوداء، يتدلى منها شرائط سوداء من الخلف. يعلق سيفا عربيا أثريا في كتفه من الجنب، يقال إنه كان يخص الخليفة عمر بن الخطاب.
الموكب، بدأ من القلعة، وعبر من باب زويلة إلى باب الفتوح. بيبرس، يمتطي صهوة جواده، يتبعه الأمراء المماليك سيرا على الأقدام، ثم نماذج من فرق الجيش وحملة الطبول والبوق. الشوارع مزينة في أبهى صورة، والعملات الفضية والذهبية، يتم نثرها فوق رأس السلطان.
عندما عاد بيبرس إلى القلعة، أخذ يوزع الهدايا وأثواب الفخار والنياشين على الأمراء وموظفي الحكومة المصريين. بعد ذلك، ذهب هو ومجموعة من الأمراء، لكي يمارس رياضة "البولو".
أصاب الكثير من المصريين الرعب، لسماعهم تنصيب بيبرس سلطانا على مصر. فهم لم ينسوا ما فعله المماليك البحرية بقيادة أقطاي من فساد، وخطفهم للنساء من الحمامات العامة، أيام السلطان أيبك زوج شجر الدر.
أصل بيبرس، من قبائل القبجاق الأتراك. تم بيعه للأمير البندقاري في سوريا، الذي قام بتدريبه وتعليمه. البندق، في اللغة، هو ما يرمى به. وكان يسمى القوس المستعرض القصير، بندق. من هنا جاء اسم البندقية. ربما سمي الأمير البندقاري، لأنه كان يحمل قوس السلطان.
عندما كوّن الملك الصالح أيوب المماليك البحرية، قام بشراء بيبرس من الأمير البندقاري. سرعان ما بدأ بيبرس يلفت الأنظار إليه. لأنه كان رجلا ضخم البنية، عيناه زرقاوان، قوي الشخصية، ولد لكي يكون قائدا، شجاعا لا يعرف الخوف.

• عتق بيبرس من الرق

قام الملك الصالح أيوب بعتق بيبرس من الرق، وبذلك يصبح اسمه "بيبرس الصالحي" بعد أن كان "بيبرس البندقاري". هو نفسه، بيبرس، الذي قاد المماليك في هجوم مضاد ضد لويس التاسع وجيشه الصليبي في المنصورة.
هو أيضا، المملوك البحري الذي حاول اغتيال توران شاه في أول مايو/أيار، عام 1250. وهو الذي قاد الفيلق المتقدم ضد المغول في عين جالوت. تظهر شجاعته وقت الشدة، حينما يعظم الخطب، ويشتد الكرب. هو المؤسس الحقيقي لامبراطورية المماليك البحرية العظمى. التي استمرت دولة عظمى 121 عاما.
قبل أن يذهب السلطان قطز لقتال المغول، كان قد فرض ضرائب جديدة لكي يغطي نفقات الحرب. في اليوم الأول من حكم بيبرس، قام بإلغاء هذه الضرائب الجديدة. ثم بدأ يتلقى قسم الولاء والطاعة من أمراء جيشه.
كل الولايات قبلت السلطان الجديد، فيما عدا نائب دمشق، سنقر الحلبي. وهو من رجال قطز، وولي نعمته. قطز هو الذي قام بوضعه في هذا المنصب. تحت تأثير الغضب لمقتل سلطانه بطريقة غادرة، شعر أنه من العار أن يقسم يمين الولاء والطاعة لقاتل أميره.
لذلك، قام برفع راية العصيان، ونصب نفسه حاكما على بلاده، ومنح نفسه لقب "الملك المجاهد". أخذ يتقبل يمين الولاء من أمرائه. بعد ذلك بأيام قليلة، كان يسير في شوارع دمشق، حاملا ألوية الولاء. ثم أخذ في ترميم قلعة دمشق، التي دمرها المغول من قبل.
إذا كان في مقدور بيبرس، اقتناص السلطة بالقوة، فلماذا لا يحذوا حذوه، غيره من الأمراء؟ الناس في دمشق، لم يتعودوا بعد على الحكم المصري، ووجدوا راحة فيما فعله سنجر الحلبي وقيامه بترميم القلعة.
في نفس الوقت، في حلب، قام الأمراء المماليك بإقصاء علاء الدين بن لولو، وتنصيب حسام الدين لاجين. معظم الأمراء المماليك في حلب، كانوا مماليك سابقين للأيوبيين في حلب. كلهم في اتحادهم، مثل المماليك البحرية.
لكن حسام الدين لاجين، لم يعترف بسنقر الحلبي، نائب دمشق. واختار أن ينضم إلى بيبرس، السلطان الجديد في مصر. هذه هي مشكلة نظام المماليك. حيث يكون الولاء للأمير والشخص، لا للدولة والوطن.
هذه هي حقيقة جذور مشكلة الإخوان المسلمين وتجربتهم البائسة في حكم مصر. الولاء للمرشد ولمرسي العياط، لا للوطن وما يمثله من أرض وشعب وحضارة وتراث وتاريخ.
في عام 1261، عبر المغول بقوة قوامها ستة آلاف مقاتل، نهر الفرات، ووصلوا إلى مشارف حمص. تصدى لها أمراء حمص وحماة الأيوبيون، ومعهم ابن مهنا زعيم البدو، وقاموا بإبادتها عن آخرها.
في ذلك الوقت، أرسل بيبرس بعثة إلى دمشق تحمل مبلغا كبيرا من المال. لكي يكسب ولاء أتباع سنقر الحلبي. أعداد كبيرة من الأمراء والمماليك، تركوا المدينة، وأعلنوا ولاءهم لبيبرس. طاردهم سنقر، لكنه مُني بهزيمة كبيرة وجرح في المعركة. ثم أُخذ أسيرا إلى القاهرة. وأصبحت سوريا تبع سلطة بيبرس.

• العمل بهمة ونشاط

بعد أن استتب الأمر لبيبرس، بدأ العمل بهمة ونشاط بالغين. في مصر، بدأ في بناء السدود والجسور. أسوار مدن رشيد ودمياط، تم تقويتها. في سوريا، كل القلاع التي دمرها المغول، تم ترميمها وإصلاحها، وإعادة حفر خنادقها. تم فعل نفس الشيء بالنسبة لباقي المدن السورية.
المزارعون الذين عانوا الفقر بسبب غزو المغول، أُعطوا البذور، لكي يبدأوا من جديد. مراكز جديدة للبريد، أُقيمت على الطرق، بحيث يمكن أن يصل البريد من القاهرة إلى دمشق في أربعة أيام فقط. البريد يصل من كل أنحاء بلاد الامبراطورية إلى القاهرة مرتين في الأسبوع.
الأسطول المصري، كان مهملا منذ وفاة الملك الصالح أيوب. قام بيبرس بتقويته وتدعيمه بأربعين سفينة حربية، وأعاده كما كان أيام الأيوبيين. بيبرس بنفسه، كان يزور الترسانة البحرية لكي يراقب سير العمل بها.
عندما بلغ بيبرس خبر تدبير مؤامرة لاغتياله، قام بالقبض على عدد من الأمراء. رئيس وزراء الحكومة المدنية المصري، ابن الزبير، تم طرده، وتعيين مكانه بهاء الدين علي. في مارس/ أذار، عام 1261، أرسلت قوة لأخذ الشوبك، التي كانت تتبع إمارة الملك المغيث عمر الأيوبي في الكرك. لم يكن بيبرس يسمح بوجود إمارة مستقلة داخل إمبراطوريته. إمارة حمص وحماة، أخذهما تطوعا.

• أنباء من دمشق

في عام 1261، جاءت الأنباء من دمشق، بأن هناك شخصا يُدعى أنه خال الخليفة العباسي المستعصم، الذي قتله المغول في بغداد. كان مختبئا لمدة عامين بين عرب الصحراء الرحل. أمر بيبرس، أن يعامل الرجل بمنتهى الاحترام، ويرسل معززا مكرما، في حراسة موكب جليل إلى القاهرة.
عندما اقترب الموكب من مدينة القاهرة، ذهب بيبرس لكي يقابله بنفسه، يصاحبه الوزير وكبير القضاة والأمراء والنبلاء وجزء كبير من الجيش. وكان في استقباله الرسمي أيضا، ممثلون عن اليهود يحملون التوراة، والمسيحيين يحملون الإنجيل.
الأمير العباسي، ومعه بيبرس وموكب الاستقبال الرسمي، وصلا إلى باب الفتوح، ثم باب زويلة إلى القلعة. بعد ذلك بأربعة أيام، عقد بيبرس ومعه الأمير العباسي، اجتماعا رسميا بالقلعة. حضره، كبير القضاة، ومشايخ القاهرة والأمراء وكبار الشخصيات العامة.
السلطان بيبرس، جلس بكل تواضع بجوار ضيفه الكريم، لا تبدو عليه أية علامة من علامات السلطة والصولجان. أحد الخصيان من بغداد، ومجموعة عرب من العراق، وكذلك أفراد من بدو الصحراء الذين كان يعيش الأمير بينهم، أقروا بأن الضيف، هو في الواقع، "أحمد"، ابن الخليفة الظاهر، أمير المؤمنين.
كبير القضاة، قام بإصدار وثيقة رسمية، تقول بأنه تم التحقق من شخصية الضيف، وتم الاعتراف به، الخليفة الجديد، "المستنصر أحمد بأمر الله"، أمير المؤمنين. أظهر بيبرس احتراما فائقا للخليفة الجديد.
بدأ بيبرس بنفسه، وقام بالقسم أمام خليفة المسلمين بأنه سوف يحكم بالعدل. ثم تبعه كل الحضور، بإعلان ولائهم للخليفة أمير المؤمنين. بعد ذلك، فتحت أبواب القلعة على مصراعيها، وسمح لعامة الشعب بالدخول للتهنئة، وتقديم واجبات الاحترام والإجلال.
في يوم الجمعة التالي، ألقى الخليفة خطبة الجمعة. قام بتوزيع الهدايا والنياشين على رجالات الدولة والأمراء. ثم سار في موكب مهيب في شوارع مدينة القاهرة. وكان يوما، كما يقول المقريزي، حافلا بالبهجة والسرور.
ثم بدأ الاستعداد لإرسال الخليفة إلى بغداد، عاصمة العباسيين. بالطبع نحتاج إلى جيش قوي وأسلحة، وإلى موظفين ووزير ومالية ورجال دين. مئة مملوك، كانوا هم حرس الخليفة الخاص.
غادر الخليفة وجيشه وحاشيته، متوجها إلى دمشق. كان بيبرس ينوي إرسال عشرة آلاف فارس، لإعادة الخليفة إلى عرشه في بغداد. لكن ابن لولو في الموصل، أبلغ بيبرس أن الخليفة القوي في بغداد، قد يشكل قيدا أو خطرا على سلطان مصر.
هنا، غير بيبرس من خطته. وقام بإرسال الخليفة إلى بغداد، لكي يستعيد عرش الخلافة العباسية، مدعما بـ 300 فارس فقط. أضيف إليهم 400 فارس من العرب البدو، و60 مملوكا من الموصل، و30 من حماة. المجموع، لم يكن يزيد عن 800 فارس. المفروض أنهم سيقومون بقهر امبراطورية المغول الموتورين بعد هزيمتهم في عين جالوت.
عندما وصل الخليفة بجيشه المتواضع إلى الفرات، انضم إليه نفر قليل من التركمان، وساروا جميعا إلى الأنبار. قائد المغول في بغداد، سمع بقدوم الخليفة. فأسرع إلى الأنبار قبل أن يصل إليها الخليفة، وقام بتدميرها بالكامل وقتل كل سكانها، بالرغم من أنهم كانوا رعاياه.
الخليفة، الذي كانت شجاعته تفوق حكمته، تقدم لملاقاة العدو. عبر المغول في الليل في المراكب وفي المخائض، والتقى الجمعان. خرج كمين يباغت جيش الخليفة، فهربت الأعراب والتركمان.
أحاط الكمين بعسكر الخليفة. فحمل الخليفة عليهم، ونجا هو وجماعة منهم في نحو الخمسين. في رواية أخرى، أنه قتل مع عدد كبير من جيشه. تمت هذه الأحداث في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 1261.

• روايتان

في كلتا الروايتين، لم يوجد جثمان الخليفة، إن كان قد قتل. ولم يستدل له على أثر، إن كان قد هرب. الخليفة، اختفى من الوجود، وكأنه "فص ملح وذاب"، كما يقول المثل الشعبي.
بالطبع هذه الأحداث الغريبة تستحق التعليق. لماذا تخلى بيبرس عن الخليفة، وتركه لمصيره المحتوم، يواجه المغول مع 300 فارس، بعد أن كان ينوي إرسال عشرة آلاف فارس؟ هل خاف أن ينضم الخليفة وجيشه إلى المغول ضده؟ أم هي مجرد غيرة على الزعامة. ولماذا قبل الخليفة، محاربة المغول بهذا الجيش الهزيل؟

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى