العـام الأصعـب فـي سـوريـا (فايز سارة)

فايز سارة

مهما كان شكل تطور الاحداث في سوريا في خلال العام الحالي 2013، فانه سيكون العام الاصعب الذي يواجه السوريين مقارنة بالعامين السابقين، وما حدث خلالهما من تطورات وتداعيات الازمة. ويستمد هكذا تقدير اسانيده من وقائع العامين الماضيين، ومن الاحتمالات التي يسير اليها مصير الوضع السوري في جوانبه الامنية والسياسية والاقتصادية – الاجتماعية.
ويضع العام 2013 سوريا في سياق واحد من مسارين، اولهما استمرار الصراع العسكري وصولا الى حل الازمة عبر القوة، وهو المسار الاكثر ترجيحاً للتحقق، والثاني مسار الحل السياسي الذي يملك فرصاً قليلة، وهي فرص تزاداد ضعفاً كلما اوغلت الازمة في مسار الصراع العسكري.
واذا كانت الازمة ستمضي في مسار الحل العسكري، فان ذلك يعني استمرار الخسائر البشرية والمادية وتزايدها، ليس فقط بسبب تزايد المساحة الجغرافية للصدام الذي لا شك انه سيطال مناطق ظلت تقريبا خارج صراع القوة، او ان الصراع طالها بشكل محدود مثل دمشق والسويداء في الجنوب واللاذقية وطرطوس على الساحل والحسكة في الشرق، وحماه في وسط البلاد، وسيكون استخدام القوة أكثر عنفاً مما جرى حتى الآن، ليس فقط بسبب طموح النظام والمعارضة المسلحة ورغبة كل منـهما في الحاق هزيمة حاسمة بالآخر، بل لان النظام سيذهب الى استخدام كل طاقة تدميرية يملكها، فيما ستحشد المعارضة اكبر اعداد من مقاتليها في الصراع. وخلاصة الامر في ذلك، ارتفاع في اعداد الضحايا: القتلى والجرحى، ومثلهم من المعتقلين والمفقودين والمختطفين الذين لا شك ان اعدادهم سوف تزاداد بصورة مخيفة لاسباب وعوامل متعددة.
كما ان استمرار مسار الصراع العسكري، سيؤدي الى مزيد من دمار البنى التحتية وخاصة شبكات المواصلات والماء والكهرباء اضافة الى دمار البيوت والمنشآت الانتاجية والخدمية والمرافق العامة بما فيها مدارس ومستشفيات، وكل هذا سيسبب مزيدا من المعاناة والنزوح اضافة الى هجرة السوريين الى دول الجوار، حيث ستتفاقم مشاكلهم هناك ومشاكل من سبقهم لان ارقامهم ستتضاعف على الاقل حسب المنظمات الدولية.
وبالتزامن مع ازدياد فاتورة الازمة وتكاليفها البشرية والمادية، فان استمرار صراع القوة سيؤدي الى نمو نزعات التشدد والتطرف، وسيدفع باتجاه زيادة صعوبات الحل السياسي، تاركاً الباب امام سقوط حر للنظام، لا يمكن التنبؤ بما يمكن ان يعقبه. وفي كل الاحوال، فان الوضع بما فيه سيجعل المرحلة الانتقالية التي تلي سقوط النظام باعتبارها مرحلة اعادة تطبيع الاوضاع في سوريا اصعب بكثير نظرا لما ستتطلبه من قدرات وامكانيات وجهود مضاعفة.
ومضي الازمة في اتجاه الحل السياسي، وان كان سيعني الحد من الخسائر التي ستصيب السوريين، فانه لن يخفف من صعوبات العام 2013، ذلك ان الوصول الى حل سياسي سوف يتطلب البدء الفوري بمعالجة الاوضاع المأساوية التي تعاني منها البلاد، ويعيش السوريون في ظلها، مما يفرض تلبية سريعة لحاجات ملايين المتضررين داخل البلاد وخارجها خاصة ان ذلك سيتم في ظل ارتباكات امنية وسياسية، وان الحل السياسي سيجد له من يعارضه، وسوف يندفع بعض هؤلاء المتشددين الى مقاومة الحل ظاهراَ وباطناً وبمختلف وسائل المقاومة، وسوف يقومون بوضع كل العقبات الممكنة بما في ذلك عقبات سياسية وامنية لتعطيل الحل ومنع اعادة تطبيع الحياة السورية والبدء في اصلاح ما دمرته الازمة وسياسات النظام العسكرية ـ الامنية.
وتوفير الامكانيات المادية والفنية لاعادة بناء الحياة السورية سيكون امراً صعباً بالقدرات السورية بعد كل ما اصاب السوريين في مجتمعهم ودولتهم من خسائر ودمار، ولا شك ان الصعوبة ايضاً تحيط بالمؤسسات الدولية وبمساعدة الدول بما فيها دول اظهرت تعاطفاً مع محنة السوريين، ولنا في مواقف الجميع بعجزهم عن القيام بدور مهم في دعم ومساندة السوريين ولا سيما النازحين واللاجئين اليوم، مثال على ما يمكن ان يحصل، مما يعني ان فترة زمنية سوف تمر قبل ان يستطيع السوريون البدء في معالجة اوضاع مواطنيهم وبلدهم حتى في ظل دخولهم مسار الحل السياسي.
ان صعوبات كبيرة، ينتظرها السوريون في العام الحالي سواء تمت معالجة ازمة بلادهم عبر حل عسكري يطيح النظام ام حل سياسي يأخذ البلاد الى تغيير النظام بصورة جوهرية عبر مرحلة انتقالية. وتفرض الصعوبات التي تنتظر السوريين في الحالتين نسقاً في التعامل مع الازمة، اساسه العمل باقصى طاقة ممكنة للتخفيف من حجم الخسائر البشرية والمادية التي يمكن ان تصيبهم، ولا شك ان التوجه نحو خيار الحل السياسي يصب في هذا الاتجاه، والامر الثاني اساسه العمل على استنفار كل القدرات والامكانات السورية لتحقيق اعلى قدر من التوافقات السياسية في صفوف قوى المعارضة والمعارضة المسلحة بصفة خاصة للتخفيف من تداعيات رحيل النظام بالقوة او بالحل السياسي. والامر الثالث، يتطلب تحشيد القدرات المادية للسوريين ودفعها باتجاه اعادة بناء البلاد وتطبيع حياة سكانها، والبدء في اشتغال جدي لضمان مشاركة المؤسسات الدولية والدول الغنية اضافة الى الدول العربية للمساعدة في اعادة اعمار سوريا، التي كان بين اسباب دمارها، وتزايد حجم كارثتها، تقاعس المجتمع الدولي بمؤسساته ودوله عن اخذ دور جدي في معالجة ازمتها، ووضع حد لها، واحياناً بسبب تدخل دول وقوى كثيرة في شؤون سوريا الداخلية.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى