“الغول ونبتة العليق” حكاية أسطورية تستند إلى الواقع
يعتبر الغول كائنا خرافيا، يستمد وجوده من الحكايات الشعبية والأسطورية، وهو رمز لكل ما هو قبيح وشائن لذلك اعتبروه أداة لتخويف الصغار منذ زمن ليس ببعيد، تستدعيه الجدات والأمهات قديما للترهيب لينام الطفل أو يكف عن العبث واللعب بضراوة والغول اسم وجمعه “غيلان”، بينما الفعل منه “غال” حيث يدل على المغالاة والمبالغة خاصة حينما يتعلق الأمر بالقبح والغضب الشديد تستدعي الكاتبة نسيبة العزيبي الغول في روايتها الأولى لليافعين كأسطورة، نسجتها ببراعة، ورسومات زينب فيضى عن دار أشجار بالإمارات، والرواية – من وجهة نظري – تصلح لكل الأعمار، فحكاية الغول تتسلل إلى قلبك مهما كان عمرك، ليس متخمة بالعبرات والعظات بالشكل التقليدي الذي ألفناه في معظم كتابات الطفل واليافعين.
الكاتبة تقتحم خيال القارىء وتفاجئه بالغول الذي صنعناه جميعا بقسوة ضارية، في مشاهد مكتوبة ببراعة، تجبرك على التورط والتعاطف مع ذلك الغول الذي تصفه بالقبح والدمامة والضخامة، غير نظيف، ثيابه أسمال بالية، رائحته منفرة، تجوب الحشرات برأسه الأشعث، نتتبع كيف أصبح الغول غولا، ربما بدأ الأمر مبكرا حينما كان مجرد طفل يعاني أزمة عائلية دفع ثمنها غاليا، وطرد من دائرة العائلة وحنان الأم، تلك السيدة الراقدة المريضة الواهنة والتي لم تستطع دفع الضرر عنه، فهي عاجزة مثله، وصار وحيدا متوحدا بعزلته التي فرضت عليه، وهو ليس سوى طفل برىء ، قبيح الوجه، لا ذنب له في التشتت العائلي الذي طبع بصمته على ملامحه وجسده.
ولما كبر قليلا وذهب للمدرسة، لم يتقبله المعلم وطرده من الفصل، كان الإذلال واضحا وهو يعاقبه أمام أقرانه من التلاميذ حتى ذاق طعم النبذ مرة أخرى وفي مشهد آخر نجد الغول شابا يافعا يحاول كسب قوته بنفسه، يحمل الأثقال لكنه لا يتلقى أجره، بل يظل جائعا لمدة طويلة، ولما توارى بجوعه ووحدته في أحد البيوت المهجورة، اجتمع على ضربه مجموعة من الرجال، تخلو قلوبهم من معاني الرحمة والرفق، فأوسعوه ضربا وركلا، لقد عانى كثيرا حتى تجمع كل الغضب بقلبه.
سلمى تلك الفتاة الصغيرة واليتيمة والتي تتصاعد ضحكاتها وهي مع صديقتها الشجرة العظيمة والتي يعود عمرها إلى الألف عام، تحنو عليها بظلالها الوارفة وثمارها اليانعة حتى يراها الغول ويحطم الشجرة العظيمة، ولا يهتم لبكاء سلمى حتى تخبره الشجرة العظيمة أنه سوف يعاقب إلى الأبد، ويتحول إلى نبتة عليق ضعيفة ليلا وحينما يبزغ النهار يعود لهيئته مرة أخرى.
لا شك أن التحول كان مؤلما بالنسبة له، كما أوصته الشجرة برعاية سلمى، فكلما حزنت سلمى أو بكت فسوف يتحول الى نبتة عليق (العقاب العادل).
الغول والشجرة، بينهما سلمى حلقة الوصل والتحول أيضا، رغم أن الحكاية تبدو خيالية وأسطورية لكن تفاصيلها مستمدة من واقع حقيقى ومؤلم فالغول (غضب وحقد) بينما الشجرة (حياة وأمان) وسلمى هي نقطة النور التي ظهرت في حياة الغول التي غيرته وجعلته يعود لطبيعته، رقيقا، حنونا، إنسانا وليس حيوانا ثائرا غاضبا، يحطم ما حوله، يخشاه الناس ويتمنون هلاكه!
حينما انطفأ نور السماء أضاءت بقعة، ظهر الغول الذي أصبح قريبا ورفيقا لسلمى، يتلمس راحتها وسرورها وأمانها أيضا، لقد تخلص من كل شوائب الغضب والحقد والكراهية التي كانت مثل الحراب المغروسة بقلبه.
قبيل نهاية الرواية نتابع حوارا رائقا، إنسانيا بين الغول الذي لم يعد غولا وسلمى الصغيرة التي تفتقد صحبته، لا ندري هل اختفى الغول وتوحد مع تلك الشجرة التي تتسلقها سلمى وتربت على جذعها وتحتضنها، تتحدث إليها وكأنها تتحدث للغول، ربما كان علينا الإنصات إلى سلمى وهي تتحدث إلى الشجرة والتي تظنها أنها الغول الذي اختار أن يظل شجرة تحنو على سلمى وتهبها الظل والأمان، والحياة كي تعيش في سلام دون غضب، أو كراهية.
ميدل إيست أون لاين