سان فرانسيسكو ــ تعاملت اللغة مع معنى (الفضول ، والفضولي) بأكثر من طريقة، وفي واحدة منها هي أن الفضولي هو الذي يتدخل فيما لا يعنيه ، لكن الفضول في وجه من وجوهه، طريقة في الحياة تؤدي إلى تطوير المعلومات عند صاحبها ، ولذلك يمكن القول إنه لولا الفضول ما تطورت المعرفة، وهنا مفارقة اللغة في التعاطي مع المعنى في زمانه ومكانه .
كان الفضول وراء معظم الاكتشافات التي أدت إلى تقدم المجتمعات واقصد هنا الفضول الإيجابي. ومن أهم أسباب نجاح وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي هو الفضول الموجود لدى غالبية البشر في معرفة الآخرين ونسج العلاقات معهم . وقد يكون ذلك رغبة في المعرفة.
ومن المعروف أن الفضول يولد مع الإنسان فهو غريزة فطرية يبدأ منذ الطفولة بالأسئلة المتكررة بقصد بناء الشخصية. وهذه حالة صحية حال تتطلب من الأهل والمدرسة تقديم إجابات صحيحة شافية ووافية على أسئلة الأطفال من حولهم.
أما فضول الكبار . فيعتبر خطوة متقدمة في السلوك لكسب المعرفة والنجاح. فبعض الأعمال تتطلب الفضول كالصحافة مثلا. كذلك الجري بهدف الاستكشاف العلمي، ويمكن القول إن كثيرا من الاكتشافات العلمية كان المحرك الأساسي وراءها هو الفضول .
وفي الوجه الآخر، يتحول الفضول عند الإنسان لمعرفة أسرار وحياة الأشخاص الآخرين المحيطين به إلى حالة سلبية وعادة سيئة تصل أحيانا حد المرض والتوغل رغبة باقتحام الخصوصية الفردية والبحث عن الأسرار المخفية بدوافع لا أخلاقية لابتزاز الآخرين وإيذاءهم وقد تتطور الحالة المرضية لتتحول إلى رغبة ملحاحة بالتجسس كاختراق الهاتف الشخصي وتسجيل مكالماته ورسائله وكذلك التفتيش في الأغراض الشخصية لأن الفضولي في هذه الحالة ليس لديه ثقة بنفسه بل يبحث عن المتعة في تعرية الآخرين
تصب هذه الحالة في حالة الرغبة بحشر الأنوف في شؤون وأمور الآخرين وتزداد حاسة الشم لدى الفضولين حين يعثرون على فضيحة فيزيدون عليها ثم يتداولونها كأنها اكتشاف للذرة لهذا نرى الفضائح تنتشر كالنار في الهشيم.
لكن الفضولي لن يكون سعيداً عندما يعرف أن مايقوم به لايسر الآخرين، وعندما تنكشف آثار فضوليته سيصبح مكروها منبوذا، وقديما قالوا ( من راقب الناس مات هما )..
علينا ألا نتجاوز حدود الآخرين. وان لا نسمح لهم بتجاوز حدودنا. وتتطلب السلامة الابتعاد عن الفضولين والحذر منهم في الحالات التي تبحث عن أمور لاتؤدي إلى تطور المعرفة. ومساعدة الإنسان على اكتشاف القوانين والكنه الأشياء وبالتالي تطور العلوم .
أعود إلى اللغة . فاللغة وعاء حضاري، لم يغفل عن المعاني التي تحملها الكلمة أو العبارة. ففي الحروف الثلاثة التي تتشكل منها الكلمة أي (فضل) ، يمكن الذهاب إلى أكثر من معنى. فكثير الأفضال هو الكريم المعطاء، والفضول هو اشتغال المرءِ أو تدخُّله فيما لا يعنيه، وفي قائمة المعاني يمكن التعرف على الكثير التي يجعلنا نتأمل في جمال اللغة وإمكانات التأويل .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة