«الفيتو» الروسي الـ18 في سوريا .. موسكو للغرب: كفى «تسييساً» للمساعدات
علاء حلبي
بعد تأجيل استمرّ بضعة أيام في محاولة لتقريب وجهات النظر بين روسيا والدول الغربية، بما يتيح الخروج بقرار توافقي حول آليات إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، فشل مجلس الأمن الدولي في تمرير قرار من مشروعين تقدّمت سويسرا والبرازيل بأحدهما وروسيا بالآخر. هكذا، خرجت الخلافات التي كانت تدور خلف الأبواب المغلقة إلى العلن، في ظل تمسّك موسكو، من جهة، بعدم تسييس ملف المساعدات الإنسانية، ودعم مشاريع التعافي المبكر، وإصرار واشنطن وحلفائها على استمرار الوضع الراهن، في الجهة المقابلة
«فيتو» روسي هو الثامن عشر، حول سوريا، منذ اندلاع الأزمة عام 2011، وضع حداً لاستمرار الآليات القائمة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، بعد مداولات استمرّت لأيام مع انتهاء مدة القرار الذي كان يسمح بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، وعبر الخطوط (من دمشق)، والذي كانت روسيا وافقت عليه مقابل شروط واضحة تتعلّق بدعم مشاريع التعافي المبكر، وبشكل خاص مشاريع الطاقة ومياه والشرب، بالإضافة إلى زيادة كميات المساعدات المرسلة عبر الخطوط، وهو ما لم يتمّ تنفيذه على أرض الواقع. وأمام انسداد أفق التوصل إلى تفاهمات، تم عرض مشروعَي القرار، السويسري البرازيلي، والروسي، تحت قبة مجلس الأمن حيث استخدمت روسيا حق النقض لمنع تمرير المشروع السويسري ـــ البرازيلي، في حين فشلت في تمرير مقترحها، بسبب عدم كفاية الأصوات، إذ وافقت ثلاث دول عليه فقط، وامتنعت غالبية الدول عن التصويت.
وفي التفاصيل، تضمّن المشروع الجديد، السويسري – البرازيلي، ابتداءً، إدخال المساعدات الإنسانية عبر ثلاثة معابر (باب الهوى، والراعي، وباب السلامة) لمدة عام كامل، قبل أن يتم تخفيض مدّته إلى 9 أشهر وحصره بمعبر باب الهوى، بعد رفض أوّلي روسي، وتدخّل عدّة دول، من بينها الإمارات لتقريب وجهات النظر. غير أن المشروع لم يحظَ، بصيغته المعدّلة، بقبول موسكو التي تحاول إرساء آلية تسهّل عودة اللاجئين، بدلاً من تلك القائمة، استكمالاً للجهود التي تقودها في هذا الإطار، وفق خطة تشمل تأهيل البنى التحتية. وفي السياق، أوضح المندوب الروسي، فاسيلي نيبينزيا، أن المشكلة لا تتعلّق بمدّة القرار وإنما بمضمونه، مشيراً إلى إصرار بلاده على مقترحها، الذي يتضمّن إدخال المساعدات بشكل متوازن عبر معبر باب الهوى، وعبر خطوط التماس، ودعم المشاريع الإنسانية المستدامة التي تساهم في عودة اللاجئين. وإذ لفت إلى أن المقترح يمتدّ إلى ستة أشهر، نوّه إلى سماحه بمراجعة ما تم تنفيذه على أرض الواقع، في إشارة غير مباشرة إلى الالتفاف الذي تم خلال الفترة الماضية على مضمونه، وعدم الوفاء بالتعهدات التي يحملها.
وشهد المجلس، خلال مداولاته، سجالات حادّة، وتبادلاً للاتهامات، حيث هاجمت فرنسا وبريطانيا (التي ترأس المجلس) والولايات المتحدة ودول أخرى، روسيا، واتّهمتها بوقف المساعدات عن أكثر من 4 ملايين سوري. وفي المقابل، أصرّت روسيا على التمسك بموقفها الذي اعتبرت أنه يقدّم حلولاً أكثر استدامة، ويمنع استعمال الحدود «ممراً للإرهابيين»، كما يضمن إلى جانب تقديم المساعدات، احترام السيادة السورية، وتقديم دفع للحل السياسي.
واستغربت موسكو الاتهامات، عبر مندوبها الذي أشار إلى أن العقوبات الأحادية الجانب ضد سوريا، بالإضافة إلى عدم توفير تمويل كافٍ للمساعدات «يكشفان زيف الادّعاءات الغربية». ووصف ما يجري بأنه «استفزاز ومسرحية»، مشيراً إلى أن الدول التي تستثمر هذا الملف هي من تعيق المساعدات، في ظل وجود قرار روسي يسمح بتمرير المعونات بشكل متوازن ويقدم دفعاً للحل في سوريا، لم يتم تمريره. وفي كلمته، أشاد المندوب السوري، بسام الصباغ، بالموقف الروسي، وشكر الإمارات على محاولاتها تقريب وجهات النظر، موضحاً أن الآلية القائمة تهمل جملة من الأمور، من بينها ضعف التمويل في ظل تأمين 12% من التمويل اللازم فقط، وتخفيض «برنامج الغذاء العالمي» مساعدته إلى النصف تقريباً للسبب نفسه، بالإضافة إلى إهمال مشاريع التعافي المبكّر، ونزع الألغام، وتسهيل عودة اللاجئين، واستمرار العقوبات الأحادية الجانب، وهي ذات النقاط تقريباً التي تطرّقت إليها الصين، التي امتنعت عن التصويت عن المشروع السويسري البرازيلي، ووافقت على المشروع الروسي.
في مقابل ذلك، لا تزال الأبواب مفتوحة أمام المساعدات بموجب رخصة قدّمتها سوريا بعد وقوع الزلزال، وسّعت الطرق أمام تدفق الإغاثة عبر الحدود لتشمل إلى جانب معبر باب الهوى معبرين آخرين (باب السلامة والراعي)، علماً أن تلك الرخصة حُددت بثلاثة أشهر وتم تمديدها لثلاثة أشهر أخرى حتى آب المقبل. ويبدو أن الاستمرار في هذه الآلية هو الخيار المفضّل بالنسبة إلى سوريا وروسيا، ريثما يتم الخروج باتفاق جديد، أو إنهاء الآلية القديمة بشكل نهائي، وفق ما أشار إليه المندوب الروسي.