القيادة السورية تتطلع إلى إطلاق تعاون اقتصادي مع العراق
قادة سوريا الجدد يعتزمون إقرار قوانين جديدة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الصناعات ذات القيمة المضافة.
أكد وزير الاقتصاد السوري في الحكومة المؤقتة باسل عبدالحنان أن القيادة الجديدة تسعى إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع العراق، في وقت تبذل فيه جهودا لتخفيف العقوبات المفروضة على البلاد.
وقال عبدالحنان، خلال مقابلة خاصة مع وكالة “شفق نيوز” الكردية العراقية إن “السلطة الجديدة في سوريا تسعى إلى تعزيز التبادل التجاري من خلال تقديم تسهيلات عديدة بالإضافة إلى تشجيع إقامة مشاريع استثمارية وتبسيط الإجراءات الجمركية لتسهيل حركة السلع والخدمات”.
وتابع “هناك العديد من الخطط المستقبلية تهدف لإنعاش الاقتصاد السوري تتضمن إعادة هيكلة المؤسسات وسن قوانين وتشريعات جديدة تساعد في عملية الاستثمار، إضافة لبناء البنية التحتية الاقتصادية والتركيز على تنمية القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والسياحة”.
وأكد أن الحكومة وضعت خطة لتطوير القطاع الخاص تركز على الخروج من القطاع الإنتاجي وطرحه للاستثمار أمام القطاع الخاص، بالإضافة إلى إزالة العقبات وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتطوير المناطق الصناعية.
وكشف أن القيادة الجديدة تعمل على “تحديث التشريعات والقوانين لزيادة الشفافية وحماية الاستثمارات بالإضافة إلى تأمين موارد الطاقة بأسعار مناسبة وتشجيع الصناعات ذات القيمة المضافة”.
وأشار إلى أن “خطة دعم الليرة السورية تعتمد على إعطاء دفعة للقطاعات الإنتاجية المحلية وزيادة صادراتها، لا سيما المنتوجات الزراعية والصناعية، من أجل إدخال العملة الصعبة”.
ودعا إلى “التركيز على تحسين جودة المنتجات السورية لتلبية المعايير العالمية، والعمل على فتح أسواق جديدة”، مشيرا إلى “السياسات النقدية المستقرة ستساهم في تحفيز الاستثمار وتعزيز قيمة الليرة”.
وتابع “هناك إجراءات جديدة ستصدر لتحفيز الاستثمار وعودة المستثمرين إلى سوريا، منها إصدار قوانين جديدة توفر ضمانات قانونية وتشريعات تشجع على الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة لها بحسب أولوية سوريا”.
وأفاد بأن “البرنامج الاقتصادي يشمل تعزيز الاستثمار في الطاقة وتطوير شبكات التيار الكهربائي وقطاعات النفط والتركيز على الصناعات الرئيسة كالإسمنت والتيار الكهربائي والأسمدة، وتطوير قطاع السياحة”.
وأُصيب الاقتصاد السوري بالدمار في حرب أهلية استمرت أكثر من 10 سنوات وعقوبات جعلته في معزل عن النظام المالي العالمي.
ونقل البنك الدولي عن بيانات سورية رسمية في ربيع عام 2024 أن الاقتصاد انكمش بأكثر من النصف خلال الفترة بين عامي 2010 و2021. ومع ذلك، قال البنك إن هذا ربما يكون أقل من التقديرات الحقيقية.
وأشارت حسابات البنك التي تستند إلى مؤشر الإضاءة الليلية، والذي يقيس إجمالي النشاط الاقتصادي، إلى انكماش حاد بواقع 84 بالمئة بين عامي 2010 و2023.
وأعاد البنك الدولي تصنيف سوريا ضمن الدول منخفضة الدخل في عام 2018. وتقول وكالات تابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 90 بالمئة من السوريين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن حجم الاقتصاد السوري بلغ 23.63 مليار دولار في عام 2022، وهو ما يعادل تقريبا حجم الاقتصاد في ألبانيا وأرمينيا اللتين يقل عدد سكان كل منهما عن ثلاثة ملايين نسمة.
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا في عام 2019 مع انزلاق لبنان في الأزمة المالية. وترتبط الدولتان المتجاورتان بعلاقات اقتصادية ومالية قوية.
وقدمت سوريا مجموعة متنوعة من أسعار الصرف لمختلف المعاملات بهدف حماية الوصول إلى العملات الأجنبية المحدودة.
وفي أعقاب تولي الحكام الجدد السلطة في ديسمبر/كانون الأول، تعهد مصرف سوريا المركزي باعتماد سعر صرف موحد رسمي.
وأظهرت بيانات نشرها مصرف سوريا المركزي اليوم الاثنين وصول السعر الرسمي إلى 13065 ليرة للدولار، مقارنة مع 47 ليرة للدولار في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، وفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن.
وأظهر موقع شركة “كرم شعار” للاستشارات المالية ارتفاع أسعار الصرف في السوق السوداء إلى 22 ألفا في وقت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، لكنها انخفضت اليوم الاثنين إلى 12800.
وأعلنت الحكومة المؤقتة الأحد تعيين ميساء صابرين حاكما لمصرف سوريا المركزي، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ تأسيسه قبل أكثر من 70 عاما.
ويعمل الحكام الجدد على تحديد ما تبقى في خزائن الدولة. وقال رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير إن احتياطيات النقد الأجنبي قليلة للغاية. وأفادت مصادر لرويترز إن خزائن المصرف المركزي تحتوي على نحو 200 مليون دولار بالإضافة إلى 26 طنا من الذهب بقيمة 2.2 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
وهذا أقل بكثير من الاحتياطيات البالغة 18.5 مليار دولار التي قدرها صندوق النقد الدولي في عام 2010، وأقل من الحد الأدنى الآمن الذي يغطي واردات البلاد لمدة ثلاثة أشهر.
وجمدت حكومات غربية أصولا سورية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات منذ بدء الحرب، ولكن من غير الواضح قيمة هذه الأصول ومكانها.
وقالت الحكومة السويسرية إن قيمة الأصول السورية المجمدة في البلاد تبلغ نحو 99 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار).
وفي أبريل/نيسان، قدّرت منصة (سيريا ريبورت) في نشرة لها قيمة الأصول المجمدة في المملكة المتحدة بنحو 163.2 مليون جنيه إسترليني (205.76 مليون دولار).
ورغم العقوبات المفروضة على مصرف سوريا المركزي، سمحت حكومات غربية لسوريا بالاستفادة من الأموال المجمدة لأغراض إنسانية، مثل الأدوية والأغذية.
وتوقعت الحكومة السورية الجديدة استعادة أصول مجمدة في الخارج بقيمة 400 مليون دولار للمساعدة في تمويل بعض الإجراءات الإصلاحية مثل زيادات الرواتب 400 بالمئة لبعض موظفي القطاع العام بداية من الشهر المقبل.
وقال البنك الدولي إن تراجع عوائد النفط والسياحة أدى إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
كما انخفضت الواردات، ولكن بهامش أصغر، من 22.7 مليار دولار إلى 6.5 مليار دولار بسبب الاعتماد على استيراد الوقود والمواد الغذائية.
وقال خبراء إن اتساع هذه الفجوة فرض ضغوطا على المالية العامة للدولة، مما دفع الحكومة إلى سداد ثمن بعض الواردات بأموال غير مشروعة جنتها من مبيعات منشط الكبتاغون المسبب للإدمان، أو من تهريب الوقود.
ويقول البنك الدولي إن صناعة الكبتاغون أصبحت أعلى قطاع اقتصادي من حيث القيمة في سوريا، مقدرا القيمة السوقية الإجمالية لما يتم إنتاجه في بنحو 5.6 مليار دولار.
وكانت سوريا تصدر 380 ألف برميل يوميا من النفط في عام 2010. وتبدد هذا المصدر من مصادر العملة الصعبة بعد بدء الصراع في عام 2011.
واستولت فصائل مختلفة، منها تنظيم الدولة الإسلامية ومقاتلون أكراد، على حقول النفط، وأبرم الأكراد صفقات مع شركات أميركية. وواجهت سوريا صعوبات في تصدير منتجاتها للخارج بشكل قانوني بسبب العقوبات المفروضة عليها.
وأدى هذا التراجع إلى اعتماد سوريا على واردات الطاقة، ومعظمها من حليفتيها روسيا وإيران. وقالت راشيل زيمبا، كبيرة المستشارين لشؤون العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيدج، إن طهران توقفت في أواخر ديسمبر/كانون الأول عن إرسال شحنات من الوقود تتراوح بين مليون إلى ثلاثة ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليها شهريا.
وأضافت زيمبا أن سوريا لم يعد بمقدورها الوصول إلى الخدمات المصرفية العالمية بسبب العقوبات المفروضة عليها وتصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، وهو ما يؤدي إلى تعقيد عمليات شراء الوقود.
وأدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر أنظمة الري وصعوبة الحصول على البذور والأسمدة.
وانخفض الإنتاج الزراعي إلى مستويات قياسية في عامي 2021 و2022، إذ تراجع إنتاج القمح وحده إلى ربع ما كان عليه قبل الحرب والذي كان يبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويا.
وكانت سوريا أيضا تستورد نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا، لكن التدفقات توقفت بعد تولي الحكام الجدد السلطة. وقالت أوكرانيا إنها مستعدة لتوريد الحبوب لدمشق، لكن لم يتضح حتى الآن كيف ستتمكن الإدارة الجديدة من سداد ثمن هذه الشحنات.
ميدل إيست أونلاين