الكيان: تداعيات الحرب الدّينيّة إستراتيجيّةٌ خطيرةٌ أهّمها فقدان مواجهة إيران و”دفن” التطبيع مع السعوديّة..
رأى الجنرال المُتقاعِد عاموس غلعاد أنّ “الردود الحادة من الدول العربيّة على زيارة بن غفير إلى الحرم القدسيّ، حتى لو بالسرّ وسريعًا، كانت متوقعةً، فالحرم هو كقنبلةٍ نوويّةٍ، من حيث قدرته على إلحاق الأذى إنْ لم يتّم التعامل معه بالصورة الصحيحة”، مُشدّدًا على أنّ “الحرم القدسيّ والمساجد هي نقطة ضعف حساسة جدًا في العالم العربيّ والإسلاميّ، وتغيير الوضع القائم في الحرم يمكن أنْ يؤدي إلى سلسلة ردودٍ حادّةٍ جدًا، تصل إلى حدّ المسّ بالأمن القوميّ الإسرائيليّ”.
وأضاف غلعاد، الذي شغل سابقًا رئيس الهيئة الأمنيّة والسياسيّة في وزارة الحرب الإسرائيليّة، في تحليلٍ نشره على موقع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، أنّه “إذا قرّر بن غفير تصعيد الوضع والصعود إلى الحرم بشكلٍ استفزازيٍّ وواضحٍ خلال شهر رمضان، فمن المتوقع أنْ يكون هناك ردود دوليّة حادّة أكثر، وهي مقلقة أكثر وتأثيرها أكبر في علاقات إسرائيل الاستراتيجيّة، من الرد المحتمل لحماس”.
وشدّدّ على أنّ “بن غفير، وبعكس المرّات السابقة، هو وزير، وعندما يدخل إلى الحرم القدسيّ معنى ذلك أنّ إسرائيل هي التي دخلت، وإنْ كانت التقارير بشأن تأجيل زيارة رئيس الحكومة نتنياهو، إلى الإمارات صحيحةً، فإنّ هذا مثال على ضررٍ أخطر بكثير من الناحية السياسية من الرد المحتمل لـ (حماس)، فالهدف، لم تحققه إسرائيل، ودفعت ثمنًا أكبر بكثير ممّا كانت تستطيع تحقيقه في هذه الحالة”.
وأوضح أنّ “الأمور واضحة ومعروفة: إسرائيل نجحت في تشكيل تحالُفٍ إستراتيجيٍّ مع الولايات المتحدة، وتعاوُن أمنيّ متعدد مع الدول العربيّة، التي كان بعضها من أشّد الأعداء لها، كمصر، والآن تحولوا إلى شركاءٍ استراتيجيين”، مُضيفًا أنّ “الأردن أيضًا يُشكّل عمقًا استراتيجيًا لإسرائيل، والقيمة الأساسيّة لذلك تتمثّل بالحقن الكبير للدماء والموارد الذي يقدَّر بالمليارات، بالإضافة إلى منع الإرهاب من حدودٍ معقدةٍ وطويلةٍ”.
الجنرال غلعاد أوضح أنّه “مع مصر، يجري التعاون ضمن إطار القيادة المركزيّة الأمريكيّة، وتحت العلم الأمريكيّ، والحديث يدور عن تعاوُنٍ قيّمٍ جدًا، يجري في السر، وبعيدًا عن الجمهور، لكنّه يسمح بتوفير الموارد، ويرفع قدرات العمل والتنسيق، وهو ما يسمح بتعميق الصداقة بين الدول العربيّة وإسرائيل بشكلٍ يعزز قوّة الكيان”.
وأشار إلى أنّه “يمكن القول من دون تردد إنّ القوة الاستراتيجيّة الإسرائيليّة تستند إلى عامودين: القوة العسكريّة، التي هي في حالة نمو وتوسُّع وتعاظُم، والادراك السياسيّ والاستراتيجيّ، وسويًا هما يصنعان قوّةً استراتيجيّةً شاملةً، تحوي في داخلها قوّةً حقيقيّةً وردعًا إسرائيليًّا”.
وتابع “إنّ التعامل مع الحرم القدسيّ بطريقة غيرُ صحيحةٍ، ومن دون حذرٍ، يمكن أنْ يضع إسرائيل على مسار مواجهةٍ مع الدول العربيّة والعالم الإسلاميّ والولايات المتحدة، ويُمكن ملاحظة هذا من خلال الردود الحادّة الفورية للدول العربيّة والولايات المتحدة، بعد صعود الوزير بن غفير إلى الحرم القدسيّ”.
وأقّر الجنرال غلعاد “صحيح أنّه قام بذلك بصورةٍ مُموهةٍ بهدف تقليل الأضرار بالمقارنة مع المخطط الأساسيّ، لكن هذه الردود تكفي لتكون تحذيرًا استراتيجيًا لإسرائيل، إذا تحوّل تغيير الوضع القائم، الممنوع أيضًا بحسب الشريعة، إلى توجّهٍ واضحٍ، فإنّه سيجري التعامل معه كاستفزازٍ، ومعنى هذا سيكون إلحاق الضرر بالأمن القوميّ الإسرائيليّ بشكلٍ كبيرٍ”.
وأردف “إلى جانب هذا، يجب إضافة (حماس) أيضًا، وهي تنظيم “إرهابيّ” إسلاميّ دينيّ يسعى لإبادة إسرائيل، وحلم يحيى السنوار هو إشعال مواجهة بين العرب واليهود في إسرائيل، وبين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل والعالم العربيّ والإسلاميّ، كما حاول في (حارس الأسوار)، وإنْ سمحت الظروف، فليكُن هذا على خلفيةٍ دينيّةٍ، إذْ أنّه من السهل إشعال حربٍ دينيّةٍ، لكنْ سيكون من الصعب جدًا إخمادها”.
وحذّر من أنّه “يمكن أنْ تجد إسرائيل نفسها أمام جبهةٍ دوليّةٍ مليئةٍ بالتحديات، فوقوع أحداثٍ صعبةٍ في الحرم، تكون مصحوبةً بعنفٍ وتغطيةٍ إعلاميّةٍ واسعةٍ في كلّ العالم، يمكن أنْ تجعل وضع إسرائيل أصعب، وتُلحِق الضرر بالأمن القوميّ الإسرائيليّ”.
ولفت إلى أنّ “مواقف السياسيين، من أمثال بن غفير وسموتريتش، التي وفقًا لها من “حقنا السياديّ الصعود إلى الحرم القدسيّ وتجاهُل العالم” معروفة، لكن يجب أنْ نفهم: هذا سيكون خطأً استراتيجيًا يمكن أنْ يشكل فصلاً في كتاب (مسيرة الحمقى)”.
ونبّه إلى أنّ “هذا هو الوقت للوقوف وأنْ نكون واعين، نتنياهو معنيٌّ بتطوير ردٍّ أوْ العثور على ردٍّ على التهديد الإيرانيّ، وهو الأصعب في تاريخ الدولة، ويمزِجْ بين رؤيةٍ تسعى لإبادة إسرائيل مع تطوير قدرات تلائم هذه الرؤية، هذا إلى جانب الدفع قدمًا بالسلام مع السعودية، كدولةٍ عربيّةٍ قياديّةٍ، وهذه أهداف استراتيجيّة مهمة جدًا”.
واختتم قائلاً: “لذلك بالذات، وعلى الرغم من المساحة الجغرافيّة الصغيرة للحرم القدسيّ، فإنّ التهديد الذي يشكله على هذه الخطوات كبير جدًا، ويمكنه أنْ يضرّ بإرث رئيس الحكومة المعني بكتابة اسمه في فصول تاريخ إسرائيل، وهذا هو الوقت للمراجعة وتغيير السياسة، لمنع الفوضى”، على حدّ تعبير الجنرال غلعاد.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية