المتحالفون
حدّثني أبي فيما سمعه ورواه عن جدّه قال: تحالف ذئب وضبع وحمار مع بغل ضخم الجثّة، عريض الحافر كبير الرأس، اتّفقوا على “العيش المشترك ” وتعهّدوا باقتسام الغنائم الحيوانية والزراعية فيما بينهم، كل حسب موقعه وقوّة نفوذه في الغاب الذي لابدّ له من قانون يسيّره …حتى وإن كان ” قانون غاب”.
حدث أن داهمتهم أيام عجاف، شحّ فيها الصيد. قلّ الزرع وانعدم الرزق فأوشك الجميع على الهلاك …وكان لا بدّ من حلّ ….ولتذهب المواثيق إلى الجحيم .
بدأ الذئب بالتطاول على البغل الذي أنهكه الجوع مستعملاً لغة لا تخلو من الاستفزاز والإهانة، لعلّه يضعف همّته وينال من معنوياته فيخرّ أرضاً ومن ثمّ ينقضّ عليه مع بقية حلفائه كما جاء في الخطّة التي جهّزوها سلفاً. سأله:
ـ من هو أبوك أيها البغل، ذو النسب المحيّر ؟
ـ خالي الحصان كما هو واضح ومعروف للعيان، أمّا والدي فقد مات قبل ولادتي …ماذا يهمّك من هذا الأمر أيها الذئب ؟!
ـ الصراحة أيها البغل أنّنا نجد حرجاً كبيراً في التحالف وتسليم أمرنا لواحد مجهول الأب .
ـ من قال لك ذلك يا عزيزي الذئب، تعال، ها أنا أرفع قدمي، اقترب من الخلف واقرأ اسم أبي المحفور في أسفل حافري، ولكن بأحرف صغيرة قد تتعب ناظرك.
اشتمّ الذئب ما كان يدور في رأس البغل الكبير فبدأ بتهجية الإسم الوهمي ثمّ التفت إلى الضبع وهمس له ” إنّ نظري ضعيف، هيّا اقترب أنت واقرأ اسم والد صديقنا رحمه الله “.
ما كاد الضبع يمدّ رأسه إلاّ وصعقته ركلة مثل القدر المحتوم ، انهار على إثرها أرضاً وهو مضمّخ بدمائه فانقضّ عليه الذئب,غرس مخالبه وبدأ بالتهامه. سأله الضبع ” لم نتفق على هذا من قبل، كيف تفعل بي ذلك أيها الحليف ! ؟”.
وهنا ردّ الذئب بمقولته الشهيرة التي مازالت تجوب الآفاق بين العامّة والخاصّة “الدنيا مع الواقف حتّى وإن كان بغلاً ” .
المعروف أنّ كلّ مؤامرة ـ ومهما بلغت من شدّة الإتقان والحبكة ـ لا بدّ لها من سيناريو بديل، أو ما يعرف بالخطّة “ب” ضمانة في النجاح وتجنّباً للفخاخ المحتملة، لكنّ الأخيرة ظلّت في قصتنا مرتجلة ولم تدر إلاّ في خلد الذئب الذي نجا بجلده وضمن غنيمته .
وثق الضبع بخطّة شريكه وبصم بكل حوافره دون أن يحسب طريق الرجعة .
أمّا الحمار فقد شارك في المؤامرة بمجرّد حضوره وتكتّمه، لكنه ظلّ واقفا على الربوة، ليس تعاطفاً مع الذي تربطه به قرابة بعيدة من جهة الأب، بل لأنه ليس لاحماً ولا يثير شهيته لحم البغال …البغال التي تنافسه على الكلأ أيضًا.
...ومهما يكن من أمر فإنّ أجمل ما في النباتيين أنهم لا يأكلون لحم بعضهم بعضاً ….على عكس “الكائن البشري ” ..غريب الأطوار، مزدوج الغرائز والثقافات والعقائد والآراء.