نوافذ

المسافة صفر| المعارك الزوجية و”ميزانسي” الكلام

محمد الحفري

قد نعني بعنواننا الحب أكثر من الزواج والفارق شاهق بين الأمرين، لأننا في الزواج ندخل التجربة أو ربما محرقة الحياة العملية وشروطها ومتطلباتها التي تضيع معها أحياناً أدنى درجات المشاعر والأحاسيس، أما الحب فهو في أبسط مسمياته ذلك الحلم الذي نرنو إليه بعيون لا ترى سوى جماله وعذوبته.

الحب هو أقدم منزول عرفه التاريخ الإنساني، وهذا القدم يجعل ما أشدناه  في ذات وقت عرضة للسقوط والانهدام، والمنزل بحاجة للترميم دائماً كي لا يسقط الحب، ويفترق الأزواج، وتضيع الأسرة، والترميم بمعناه المجازي لا يحتاج الأسمنت والحديد، ولكنه قد يكون بالصبر وعدم التعجل أو بكلمة لطيفة تطيب الجراح وتطبطب على الألم، وربما بهدية متواضعة وتلك حلول صغيرة لنجاة المركب في لحظة ما.

كلامنا تجديف من فوق “الأساطيح” كما يقال وقصديتنا التمهيد للحديث عن أخر العروض المسرحية التي قدمت في العاصمة دمشق والذي يحمل عنوان ” آخر ليلة. أول يوم”  تأليف جوان جان وإخراج رائد  مشرف والذي لعب دور البطولة أيضاً مقابل الممثلة عهد ديب والعمل ينتمي إلى الثنائية التي تخوض في صلب حياتنا، والزوج والزوجة هما أساسها، وعلى فكرة يجوز لنا لغة إطلاق كلمة الزوج على الزوجة.

المهم وبلا طول سيرة “الميزانسي” أو ” الميزانسين” ولا أدري أيهما الأصح كان متقناً إلى درجة كبيرة، وهو كما أفهمه التشكيل الحركي، أي حركة الممثل، وهو أيضاً في واحد من تعاريفه مع السينوغرافيا وضع الأشياء في المشهد المسرحي، ويشير إلى العناصر المرئية التي تساهم في تكوين الصورة بما في ذلك حركة الممثلين والديكور والإضاءة، وربما يخطر على بالي الآن أن أعيد كلمة “الميزانسي” إلى تلك الأداة التي تستخدم لقياس الوزن في البيع والشراء لحساب قيمة السلعة حسب الوزن، ونقصد بها الميزان، وأحسب أن ذلك يوازي اعتبارياً كتلة الحركة على المسرح والتي يعتمد عليها المخرج ليشكل دالته البصرية أو لنقل الصورة البصرية التي يجب أن تكون متعادلة بين جهات المسرح، وقد وصلت إلينا تلك الصور النقية  من مسرحية “آخر ليلة. أول يوم” وأثار ذلك انتباه الجمهور، لكننا نجزم أن هناك تشكيلاً كلامياً اشتغل عليه المؤلف بجدية جعلته يتوافق مع التشكيل الحركي الذي اشتغل عليه المخرج، ولنجد أمامنا تلك المشاكل الزوجية التي تبدأ، ثم تنتهي وبعدها تعاود البدء من جديد.

قرأت منذ أيام قصة تحمل عنوان”رسول التقنين” لمؤلفها عبد الله النفاخ وفيها يخبط البطل رأسه بالحائط نتيجة خلافه مع الشريكة وحين تخاف نتيجة انقطاع الكهرباء، يضمها إليه ويذهبا معاً إلى سرير النوم، وبعدها يصبح قطع التيار مناسبة لتواصلهما.

قد تكون نهاية القصة حالمة للتغلب على اليأس، لكن من المؤكد أن الاشتباكات ستبدأ صباحاً، وقد استعرنا كلمة الاشتباكات من منظري الحرب والمتحمسين لها، ومادمنا قد فعلنا ذلك نردد ما قيل بأن الزوجة هي العدو الوحيد الذي ننام إلى جانبه، وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا يكون الزوج هو العدو الوحيد الذي ينام إلى جانب الزوجة؟

أعتقد أنه ليس ثمة من داع للجواب عن سؤالنا، لكن الحذر، ثم الحذر والمهم هو تجنب الاشتباك من المسافة صفر.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى