المفاجأة الأكبر في المصايف الغربية لدمشق!
أخفت المصايف الغربية لمدينة دمشق ملامح الموقف الحقيقي للسوريين من الحياة وتفاصيلها والرغبة في العيش بأمان، بعد أن انكفأوا عنها، بغير إرادتهم إلى الموت والدمار والخطف طوال السنوات التي مرت من الحرب الصعبة والمريرة..
وإذا كان الموقف السياسي للدولة السورية يتجه في الآونة الأخيرة إلى استثمار التوجه العام للمصالحات، ومن ثم الايحاء بأن الحرب تقترب من نهايتها، فإن المشاعر العامة عند الناس يمكن أن تفاجئ المهتمين بالشأن السوري، وتفاجئ حتى الدولة السورية ومن يرسم سياستها .
إن من يعرف المصايف الغربية القريبة من دمشق يمكن أن يقدر معاني الصورة جيدا، ففي تلك المصايف خط أخضر ساحر يرافق بردى من منبعه إلى مدخل مدينة دمشق عند فج الربوة، وعند بدايات هذا الخط من جهة الغرب عرفت المصايف السورية تاريخيا بدءا من : فيلل نبع بردى والقرى الصغيرة في سهل الزبداني وصعودا إلى الزبداني وبلودان والانشاءات وبقين ومضايا ..
كانت الحرب طاحنة في تلك المناطق وإذا كان لابد من تعداد القتلى والجرحى والمشردين فهذا يعني أننا أمام أرقام كبيرة جدا، وربما لم تعكس صور الاعلام بعد حقيقة الدمار الواقع في الأماكن الساخنة وتحديدا في الزبداني بعد أن خرج منها المسلحون، فقد كان الاقتتال هناك على أشده لأن المصايف الغربية جغرافيا تفتح على خطوط الامداد القادمة من لبنان، وتهدد طريق دمشق ــ بيروت وتذهب عبر الجبال من بلودان إلى عسال الورد وصولا إلى جرود عرسال وفليطة .. حصلت المصالحات ببطء، وكاد كثيرون يصابون باليأس من أية انفراجة قد تحصل في هذه المناطق، وعند الاستعصاء الكبير في نبع الفيجة القريب من سهل الزبداني ومأساة قطع مياه الشرب عن سكان دمشق وتلويثها زاد هذا اليأس واتسع إلى الدرجة التي أحس السكان أن الحرب تحتاج إلى حروب كثيرة لكي تنتهي !
وفجأة حصلت المفاجأة، وتمت الاتفاقات وخرج المسلحون من عين الفيجة ، ثم تم توقيع اتفاق الزبداني ــ الفوعة ، وذهب مسلحو الزبداني إلى إدلب، وساد صمت يقدر بالأيام إذا ماذا يعني هذا، واشتغل الإعلام في الجهة المقابلة يتحدث عن تغييرات ديمغرافية ، وهذا يمس جوهر النسيج الاجتماعي في محيط دمشق ، لذلك يمكن الدخول من خلاله للتحريض على النظام ..
ظهرت المفاجأة الكبر، بعد وقت قصير، فالسوريون لم يهتموا أبدا بكل تلك المعطيات التي اشتغل عليها الاعلام منذ بداية الحرب .. تواجه السكان وأصحاب الفعاليات مع اللجنة الوزارية التي ذهبت للتمهيد لإعادة الحياة إلى طبيعتها . كانوا أكثر صراحة وجرأة مما توقع وزراء الجنة الحكومية، وحكوا همومهم وواجهوا المسؤولين بالفساد والأخطاء!
ولم يمض أسبوع حتى تدفق السوريون إلى هناك .. افترشوا بقايا المطاعم الموجودة في المصايف.. تناولوا طعاما بسيطا من الأكشاك المتناثرة بين السهل والتلال القريبة ليحسوا أن الحياة ستعود .. وسهروا حتى ساعات متأخرة من الليل .. وقال أصدقاء شهدوا هذه الظاهرة : إن أحدا لم يخف من أحد، وإن العلاقة كانت بين الحواجز والزوار هادئة نظامية لم تمسها أية شائبة ..
وبعد أسابيع راحت المطاعم تفتح أبوابها، واتسعت دائرة الاستثمار، وصار المواطنون يطالبون بالرقابة، وسمعنا عن مخالفات وعقوبات وتحسن حال المطاعم والمتنزهات ، أي أن شروط الحياة بدأت تستكمل احتياجاتها!
كل هذا التطور حصل بأقل من شهر، وكأن السوريين دفعوا الجهات المسؤولة لتسريع الخطوات نحو العودة إلى الحياة الطبيعية، فأقامت الدولة فعاليات مهرجان السياحة واحتفل السوريون بكل مظاهر الحياة وهو نموذج لإعادة الحياة السريعة وعودة المنشآت السياحية وهي رسالة تدل على عودة العمل والتفكير بصناعة تليق بعودة الحياة للمنطقة، حتى المفتي العام نفسه الدكتور بدر الدين حسون كان هناك ، وقال إن الله خلق سورية كمزهرية تجمع كل عطور الكون وأزهارها.