المناوشات السورية التركية تعبر عن الصراعات الدولية المكتومة وترفع سقف الدول الكبرى (أنطوان الحايك)

 

أنطوان الحايك

 

على الرغم من المستجدات الطارئة على جبهة الحدود التركية السورية المشتركة ودخول أكثر من مرجعية أممية وإقليمية على خط الرسائل الساخنة والمتبادلة منذ أكثر من عشرة ايام، ما زالت الدبلوماسية الشرقية ترى أنّ التوتر الحاصل على الحدود بين البلدين اللدودين لن يتطور إلى حرب عسكرية أو ميدانية، وإن كان ذلك لا ينفي أنّ الحرب الامنية والاستخبارية مرشحة للاستمرار على وتيرتها العالية إذا لم تصبح أكثر شدة وضراوة. فالمؤشرات المتوافرة حتى الآن لا تعطي أيّ فرصة لتطورات دراماتيكية محتملة، خصوصا بعد أن ثبت باليقين أنّ ما يحصل من قصف متبادل ومحدود لا يعدو كونه لغة من لغات الدبلوماسية الساخنة بين مجموعة دول البريكس من جهة، ودول حلف الاطلسي من جهة ثانية.
وفي حين يبدو أنّ المناوشات شبه اليومية بين الجارتين تشكل خطرا على مستقبل الوضع الاقليمي، يعتبر دبلوماسي شرقي متابع عن كثب لمجريات الأحداث في الاقليم أنّ الموانع التي تحول دون تطور الاوضاع نحو الاسوأ تبقى هي المرجحة، وما دخول روسيا على خط إجبار الطائرة السورية على الهبوط في تركيا إلا لاعادة ضبط الوضع ودوزنة الامور لعدم انزلاقها نحو أزمة لا يريدها أحد على الاطلاق.
ويكشف الدبلوماسي أنّ الموقف الروسي المتدرج نزولا تجاه تركيا الذي بدأ مع الغاء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، ومن ثم الاعلان عن إرجائها إلى الثالث من كانون الأول المقبل، يصب في خانة الابقاء على العلاقة مع انقره من دون تحقيق أيّ خرق في الستاتيكو المعمول به بين البلدين، وبالتالي فإنّ نفي موسكو أن تكون الطائرة السورية تحمل اسلحة او ذخائر، يصب في خانة تسليف سوريا مزيدا من المواقف.
ويشير هذا الدبلوماسي إلى أنّ اللعبة باتت مكشوفة، لاسيما بعد التزام سوريا وتركيا بالحد الادنى من الهدوء على طول الحدود، مع الاشارة إلى أنّ سوريا هي التي غالبا ما تستدرج تركيا إلى حرب مفتوحة، بدليل مبادرتها إلى اطلاق بعض القذائف على القرى التركية المتاخمة للحدود، بحيث تكتفي الاخيرة بالرد المحدود الذي تعطيه حجما اعلاميا يفوق اهميته، والعكس صحيح.
ويشرح الدبلوماسي وجهة نظر بلاده من المعادلة الراهنة، موضحا أنّ الجيش السوري يقوم بهذه الاثناء بشن حرب عنيفة في الداخل السوري إلى جانب النظام، وهو بالتالي لا يرغب على الاطلاق بحروب جانبية مهما كان شكلها ومضمونها بالرغم من اعتقاده بأنه ما زال يسيطر على الاوضاع وباستطاعته  الصمود لسنوات اضافية وليس أسابيع أو أشهر كما يروج البعض، وذلك مهما تقلبت الاوضاع وتطورت الاحداث الميدانية. ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة للجيش التركي، فهو يعاني من سياسة الحكومة التي تلقى اعتراضات متنامية على خلفية الموقف من الازمة السورية، خصوصا بعد الموقف الذي سمعته انقره في خلال اجتماع الناتو الاخير، والذي جاء تكرارا لموقف أميركي أوروبي مشترك منتقد لاسقاط سوريا للطائرة التركية من دون أخذ المبادرة الرادعة لا بحق سوريا ولا بحق روسيا الداعمة لها.
ويخلص الدبلوماسي إلى التأكيد على ثابتة وحيدة وهي أنّ المرحلة هي لتحسين المواقع بعد أن دخلت الازمة السورية في دائرة المراوحة والانتظار في ظل انعدام البدائل الحاسمة، وبالتالي فإنّ الأمور لن تنتهي إلا بعد استئناف الحوار الروسي الاميركي، وهو لن يعود إلى حرارته السابقة إلا بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية وبالتالي إعادة هيكلة الادارة من جهة، ولجم السياسات الاميركية الخارجية المتسرعة من جهة ثانية، بحيث يصحّ القول أنّ الكلمة الفصل ستبقى للمناوشات بانتظار فتح صفحة جديدة من الاجندة الدولية.

 

موقع الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى