المهزومون
كالصور…هناك شعوب تذكارية في القصص
أنا لست من جماعة المسلسلات، ولا أتفرج، إلا بالصدفة، على مسلسل… لكن باب الحارة أتى إلى أنفي ، فتفرجت على مشاهد من حلقات ، وكانت هذه المشاهد ذروة ما يتصوره صانعو المسلسل كدراما بشرية وتلفزيونية.
واكتشفت أن أطروحة المسلسل هي الأب المؤسس للخلل فيه… وهو الخلل الآتي من فكرة أصحابه الخطأ: أنهم يقدمون عرضاً بصرياً وحوادثياً لتاريخ دمشق. بكلمة… أنهم أرادوا أن يقولوا: هذه هي الشام مكتوبة بمعرفة ورؤية وقلم وتصورات الشوام.
ولكن الشام التي قدموها… مؤسفة، وغير حقيقية، والشخصيات مزيفة، والمرحلة التاريخية مزيفة. فالشام… أهم من ذلك، وأرقى من ذلك، وأعظم من ذلك، على وجه اليقين.
شام تلك الأيام، الثلاثينات والأربعينات، فيها أشخاص وشخصيات أخرى غير ما يعرضه المسلسل. “عام 1930 أسقطت دمشق مرشح الفرنسيين لمنصب رئيس الجمهورية (صبحي بركات) وانتخب(محمد علي العابد) الذي لم يكن الأزعر الذي يحمل شبريته ويجعر كالدواب… بل كان يحمل شهادتي دكتوراه، الأولى في الهندسة المدنية ،والثانية في القانون الدولي. وكان يتقن الفرنسية والإنكليزية والتركية والفارسية.
شام تلك الأيام لم تكن حريماً فقط، يطبخن النميمة والمكائد ، ويرتبن خضوع الزوجة الرابعة، ويغسلن عبودية الرجل وقدميه… بل كانت الشام المليئة بالجمعيات النسائية:
1922 الرابطة الأدبية (ماريانا مراش وماري عجمي) وأصدرتا مجلة نسائية اسمها ” العروس “.
1930 أسست السيدة( زهراء العابد ) المنتدى الأدبي الثقافي.
1922 تأسست جمعية نقطة الحليب،التي تعنى بالطفولة والامومه.
1927 جمعية” يقظة المرأة الشامية”.
1928 جمعية دوحة الأدب، وجمعية خريجات دور المعلمات، والرابطة الثقافية النسائية، والنادي الأدبي النسائي. لاوجود، في المسلسل، لاي نشاط نسوي في الحيز العام.
وأهل دمشق لم يكونوا حارة ضبع، ومجرد همج يهيجون. ولم يكن أهل دمشق يتلقون العلاج الطبي عند ( العائد من الموت) أبو عصام… فقد كان في دمشق 400 عيادة طبية عامة واختصاصية لأطباء درسوا في سورية وفي الخارج وكانت كلية الطب السورية أهم إحدى سبع كليات في العالم. وقد خرّجت حتى عام 1936 سبع دفعات من الطبيبات والاطباء.”
استعنت ببعض المعلومات من صفحة فيس بوك أرسله لي صديق، بقلم “شامي” هو محمد خير ماميش. وفي الحقيقة كنت أشعر بالنفور الشديد من الشخصيات التي قدمها المسلسل، وحتى في أداء ممثلين، عادة هم أفضل مهنية. وزاد نفوري بعد الاضطلاع على القليل من معلومات تلك الايام.
التاريخ يكتبه، عادة،” المنتصرون”، ولكن ،عند انحطاط الدول والمراحل، والأشخاص ، والشخصيات فإن التاريخ يكتبه “المهزومون” لتبرير الحاضر بشفاعة الماضي!