شرفات

الموت حولي : رحيل بسام وحسان أغضبني!

الموت حولي …. لم أشاهد صديقي إبراهيم العجلاني منذ أربعين عاماً..

كانت ملامحه كشاب جميل ضاحك الوجه، مزروعة في داخلي، أتمنى رؤيته، وأتمنى الحديث معه عن أيام زمان .في الشارع واجهني رجل يناديني باسمي، عانقني هذا الرجل، فعانقته دون أن أعرفه، ثم سألته : لا تؤاخذني ، لم أعرفك رغم أن وجهك ليس غريباً عني، من أنت؟!

وعندما أخبرني أنه إبراهيم، عانقته من جديد، وأنا أحتج على غيابه أربعين عاماً، وأعاتبه على عدم التواصل معي..

ودارت عجلة شريط الذكريات، وارتسمت أمامنا التفاصيل اليومية لحياتنا في ثانوية جول جمال بدمشق، فاستعدنا الأشعار التي كتبناها معاً، واستعدنا الأصدقاء الذين رسمنا معهم تفاصيل أجمل الأيام، استعدنا الحكايات والطرائف والأسماء .

أخبرته أن صديقنا المشترك عبد القادر الزوزو اقترح عليّ أن نراسل جميع طلاب جول جمال لنجتمع ونتذكر أيام زمان فاجأني، فرد إبراهيم العجلاني بخبر موت صديق العمر بسام الحمزاوي، وكنت أحاول التأكد من الخبر عندما جاءني بالخبر الثاني :

ــ لقد مات أيضاً صديقنا حسان مهرة!

ليس الموت جديداً علينا هذه الأيام، ولكن كيف يموت بسام وقد اتصلت به في أميركا عبر (التشات)، وهو في المستشفى وقد تورمت رقبته نتيجة سرطان الحلق إلى درجة غريبة. لم يستطع التحدث معي ، كان جامداً مثل تمثال ، أرسل لي على التشات يقول : لاتخف لن أموت قبل أن أعود إلى دمشق وأراك ونتحدث عن أيام زمان .

وذهبت إلى مكتب المحامي حسان مهرة، وأخبرته أن بساماً سيعود ، وحكيت له عن حالته، فقال إنه يعرف معاناة بسام مع السرطان الذي يهاجمه بقوة في عنقه بين فترة وأخرى.

لعنت السرطان، وأخبرته أن السرطان قتل أمي وأخي محمد،  وتمنينا أن يعود بسام بسلام بعد خمسين عاما على غيابه.

مات حسان مهرة بالسرطان أيضاً، قال لي إبراهيم العجلاني، إن السرطان انتشر بجسده بسرعة كبيرة فقتله.

غضبت. كان يجب أن أرى بساماً قبل أن يموت ، و أزور حسانا قبل أن يموت، لكن الموت هو هادم اللذات ومفرق الأحباب،  وقبل افتراقي عن إبراهيم ومعرفتي أنه سيقيم في دمشق بعد عودته من أسفار طويلة، اتفقنا على اللقاء ..

مشيت عشرة أمتار، فشعرت بالوهن، جلست على حافة سور لقبو في حي الروضة، واستعدت كل الأشياء التي صنعناها معاً، وعندما هممت باستئناف طريقي إلى البيت، لم أستطع .

شعرت أن عمري زاد كثيراً، وأن عليّ أن أستعجل في ترتيب ما يحتاجه الموت منا، وعندما وصلت إلى البيت غفوت على الكنبة قبل أن أخلع ملابسي ، فشاهدتهم جميعا، نعم كل الموتى الذين أحبهم.

قد لاتصدقون ، كل الموتى كانوا إلى جانبي، وكانوا يهتفون :

لاتخف علينا ، أمورنا أفضل منك !

واستيقظت .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى