الوقت بدأ ينفد في إسرائيل لإقرار حل الدولتين (جيفري غولد بيرغ)

 

جيفري غولد بيرغ

لا تصدقوا هذه الضجة كلها حول نتائج الانتخابات. صحيح أن حزب نتنياهو خسر السيطرة التامة وقد تبين أن الطبقة الصامتة من الناخبين الإسرائيليين تريد منه أن يزيد تركيزه على المسائل الاجتماعية والاقتصادية، لكن سيبقى نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل.
واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتكاسة تاريخية في الأسبوع الماضي، فقد تنكّر الناخبون لحزب الليكود الذي ينتمي إليه وفضلوا الوسطي الحديث العهد يائير لابيد وحزبه "يش عتيد" (هناك مستقبل).
كانت الانتكاسة التي هزّت كبرياء نتنياهو هائلة وكانت الإهانة عميقة والعواقب واضحة: سيكون نتنياهو حتماً… رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل!
بعبارة أخرى، لا تصدقوا هذه الضجة كلها حول نتائج الانتخابات. صحيح أن حزب نتنياهو خسر السيطرة التامة، وقد تبين أن الطبقة الصامتة من الناخبين الإسرائيليين تريد منه أن يزيد تركيزه على المسائل الاجتماعية والاقتصادية، لكن سيبقى نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل.
لا شك أن هذا الوضع سينعكس على عملية السلام المنهارة في إسرائيل مع الفلسطينيين. فور انتهاء الانتخابات، فاضت التوقعات القائلة إن تلك "الانتفاضة" المزعومة في المعسكر الوسطي الإسرائيلي تعني ضرورة إعادة إحياء المحادثات. قد يكون الوضع كذلك، لكن ثمة أسباب مقنعة أيضاً تجعلنا نظن أن العملية ستبقى خامدة في المستقبل المنظور.
بما أني متفائل جداً بطبيعتي، دعوني أحدد في البداية الأسباب التي تثبت وجود فرصة ولو بسيطة لإعادة إحياء عملية السلام:
1- يعني انضمام لابيد إلى الحكومة الائتلافية المقبلة (يبدو هذا الأمر مؤكداً) أن رئيس الوزراء سيضطر إلى تقبّل طلب لابيد باستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
2- يتوق حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا (لا سيما الملك الأردني عبدالله الثاني ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون) إلى رؤية الرئيس باراك أوباما وهو يستعيد زمام المبادرة كي يضغط على نتنياهو وعباس لإطلاق المحادثات جدياً، وقد بدؤوا يكثفون الضغوط على أوباما في هذا الاتجاه.
3- ينشغل السيناتور جون كيري، مرشح أوباما لتولي منصب وزير الخارجية بدل هيلاري كلينتون، في البحث عن طريقة لاستئناف المفاوضات. لا يمكن تجاهل نفوذه في هذا المجال، فهو قد يطرح أفكاراً جديدة أكثر من الجيل السابق من المفاوضين في عملية الشرق الأوسط من أمثال الدبلوماسي المخضرم دينيس روس.
4- لا تزال السلطة الفلسطينية موجودة. هذا الأمر أشبه بمعجزة. فهي لم تُستبدَل بعد بحركة "حماس" أو بالفوضى.
5- يبدو أن سارة نتنياهو، زوجة بنيامين، لا تحب نفتالي بينيت، رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف الذي يعارض نشوء دولة فلسطينية ولو على جزء من الضفة الغربية. بينيت هو موظف سابق لدى رئيس الوزراء وقد عمد إلى انتقاد زوجته علناً، ولو بشكل غير مباشر. نتيجةً لذلك، قد يتم إقصاؤه من الائتلاف الجديد. قد يبدو هذا الأمر جنونياً لكن لا يمكن الاستخفاف بقوة سارة نتنياهو.
6- يشعر بعض الإسرائيليين بالقلق على مستقبل بلدهم من الناحية الديمغرافية. هم يدركون أن إسرائيل لا تستطيع متابعة السيطرة على ملايين الفلسطينيين من دون تهديد طابعها الديمقراطي أو مكانتها كوطن للأغلبية اليهودية، فلا يمثل هؤلاء الإسرائيليون معسكر السلام المزعوم (أي الأقلية الصغيرة التي تتوق إلى تقديم تنازلات إلى الفلسطينيين)، ولكنهم قد يقبلون بتسوية معينة طالما يقتنعون بأن أحداً لا يستغلهم.
إليكم الآن الأسباب التي تدعو إلى التشاؤم:
1- نتنياهو لا يزال نتنياهو. تحت ضغوط هائلة من الولايات المتحدة، دعم نتنياهو في المبدأ فكرة إقامة دولتين لشعبين في عام 2009. ولكنه لم يقم بشيء منذ ذلك الحين لتحقيق هذا الهدف. صحيح أنه جمّد بناء المستوطنات موقتاً، تحت ضغوط مشددة من الولايات المتحدة مجدداً، ولكنه يعيد تنشيط الاستيطان حين يشاء ويبدو أن حكومته تبتكر أساليب جديدة لمنع نشوء دولة فلسطينية كل يوم.
2- عباس لا يزال عباس. عملياً، لا يرفض نتنياهو مد اليد إلى شريك مثالي في عملية السلام. عباس مسؤول ضعيف ومتقلب وقد أثبت أنه يستطيع رفض العروض المنطقية التي يقترحها المحاورون الإسرائيليون.
3- لا يزال الفلسطينيون يخوضون حرباً أهلية، ويجب ألا ننسى أن "حماس"، تلك الجماعة التي تسعى إلى تدمير إسرائيل، لا تزال تسيطر على نصف الدولة الفلسطينية المرتقبة وهي لم تتصالح مع السلطة الفلسطينية التي تسيطر على بعض أجزاء الضفة الغربية. يصعب أن نتخيل موافقة إسرائيل على تقديم التنازلات إلى سلطة فلسطينية لا تستطيع حكم فلسطين.
4- لابيد ليس من دعاة السلام. هو وسطي ولا يكن عاطفة عارمة تجاه الفلسطينيين، فهو معروف بدفاعه عن مجموعة من المسائل المحلية وليس بتمسكه بحل الدولتين.
5- قد يرغب كيري وكاميرون في تنظيم مفاوضات فاعلة لكن يبدو أن أوباما لا يرغب في ذلك، فهو لا يجد أي سبب يدعو إلى التفاؤل ولا يبدو مستعداً لتبذير رصيده السياسي سعياً إلى عقد محادثات سلام قد لا تحقق شيئاً.
6- التوقيت ليس مناسباً بأي شكل، فأبرز ما يُقلق القادة الإسرائيليين هو أمن مخزون الأسلحة الكيماوية السورية، فقد تطلق إسرائيل ضربات استباقية ضد الأهداف السورية لمنع نقل تلك الأسلحة إلى "حزب الله"، تلك الجماعة المعادية لإسرائيل والمتحالفة مع إيران. يشعر الإسرائيليون أيضاً بالقلق من تنامي نفوذ "الإخوان المسلمين" في أنحاء الشرق الأوسط، وانتشار الفوضى في مصر، وطموحات إيران النووية طبعاً. في ظل هذا الجو القابل للاشتعال، يصعب أن نتخيل موافقة قادة إسرائيل على التخلي عن تفوقهم وتقديم تنازلات مهمة إلى الفلسطينيين.
أنا مقتنع بحصول دفع معين لتحريك عملية السلام في الأشهر المقبلة. لكن لا شيء يشير إلى أن أحد الفريقين مستعد لمواجهة أبرز مسألتين شائكتين: وضع اللاجئين الفلسطينيين ومستقبل القدس. بالتالي، يبدو أن أوباما محق في شكوكه، لكن يجب أن يتذكر أن السنوات الأربع المقبلة قد تكون آخر فرصة لإقرار حل الدولتين.

ذي اتلانتيك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى