اليمن واحتمالات الفوضى والتقسيم (جاسم محمد)

 

جاسم محمد

الحوار الوطني
أقرت اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في اجتماعها 19كانون الثاني 2013 برئاسة رئيس اللجنة الدكتور عبدالكريم الارياني. تمديد آخر موعد  لاستلام قوائم ترشيحات ممثلي الأحزاب والحركات السياسية إلى الى يوم 21  كانون الثاني 2013……وأهابت اللجنة بالجميع الالتزام بتسليم الترشيحات في الموعد المحدد والأخير.  كون هذا هو التمديد الثاني بعد أن سبق ومددت اللجنة  فترة الاستلام من يوم 31 ديسمبر الماضي إلى 19 كانون الثاني 2013  … وفي ذات السياق ،تشهد ساحات العاصمة  صنعاء  تحشد الى" شباب التغيير"و مسيرات جماهيرية بين حين واخر  احتجاجاً على عدم تحقيق أهداف "الثورة " . إن تدشين الغضب  وإعادت انتاجه إلى الساحات يأتي لرفض "شباب الثورة " تمييع أهدافهم والالتفاف عليها  مع اقتراب  انعقاد مؤتمر الحوار الوطني .
الحوار الوطني الشامل من المقرر عقده  منتصف العام الحالي  2013  بين جميع الأطراف السياسية  في اليمن ، ليبحث  جميع المشاكل   و أهمها الحراك الجنوبي والحوثيون/ألزيدية  والحرب على القاعدة و النتائج المترتبة على حرب 1994 الأهلية في اليمن  و صياغة الدستور و بقية القضايا  . ويكون الدكتور عبد الكريم الارياني رئيسا للجنة الفنية .
الحوار الوطني كان مطروحا منذ عام 2007 لاجراء التعديلات السياسية على نظام الحكم والدولة في اليمن ، وجائت "ثورة التغيير " عام 2011 نتيجة احتقان العلاقة بين مكونات احزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر والتي انتهت بالمبادرة الخليجية  في نوفمبر 2011 في الرياض ليتنحى الرئيس صالح ويحل محله نائبه الرئيس هادي عبد ربه رئيسا للحكومة الانتقالية عام 2012 ….واتفقت الأحزاب :  المؤتمر ، الإصلاح ، الاشتراكي، التنظيم الوحدوي ، البعث العربي  وغيرها على استئناف حوارها ، وفي  في يوليو  2012 أصدر الرئيس هادي  قرار بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل  من اجل إعداد مشروع جدول أعمال المؤتمر  .
 
أهم تحديات الحوار 
 
ـ الحراك الجنوبي :  يعتبر ابرز التحديات ، حيث يرفض الحراك الجنوبي  المشاركة  بالحوار  مع استمرار اعتقال عدد من الناشطين منذ عام 2007 . أن  مشكلة القضية الجنوبية ، انها  لا تتمتع بميزة وحدة القيادة ،ومع أن المجتمع الدولي وفرقاء السياسة اليمنية لا يمانعون من جعل القضية الجنوبية على رأس جدول الأعمال في مؤتمر الحوار؛ إلا أن جموح بعض أطراف القضية الجنوبية؛ وخاصة القيادات القديمة؛ وتصلبها في اشتراطاتها للمشاركة تهدد بأن يكون لغم القضية الجنوبية الأكثر قابلية لعرقلة انعقاد المؤتمر .
تتسم النخبة القيادية في القضية الجنوبية بقدر كبير من الخلافات، والتنافس الشرس على الزعامة ، التي نشأت  من سنوات الصراع الدموي الذي شاركت فيه هذه القيادات ضد بعضها. و تنقسم التوجهات الرئيسية في القضية الجنوبية إلى فريق أكثر جموحا وتطرفا ورغبة في انتهاز هشاشة الوضع السياسي اليمني، ويتزعمه نائب الرئيس السابق علي سالم البيض وحسن باعوم، الذي  يرفض أي نوع من الحوار إلا إذا كان بهدف تحقيق الانفصال. والفريق الثاني يتزعمه الرئيسان السابقان علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس، وهو وإن كان يقبل مبدئيا المشاركة في مؤتمر الحوار إلا أنه يشترط أن يكون حوارا بين ممثلي دولتين وليس حوارا بين قوى وطنية، على أن يؤدي إلى إقرار حق تقرير المصير للجنوبيين بعد فترة انتقالية على النمط السوداني تتحول فيها الدولة الواحدة إلى دولة فيدرالية بين شطري اليمن .
أما الفريق الثالث –الذي يتعرض لإرهاب فكري وسياسي وإعلامي من قوى الحراك السابقة- فهو يدعو لإصلاح شامل للدولة ومعالجة مشاكل ومظالم الجنوبيين ولكن في المحافظة على الوحدة اليمنية في إطار فيدرالي متعدد يصل إلى أربعة أو خمسة كيانات فيدرالية….تبرز القضية الجنوبية كأهم المشاكل أمام مؤتمر الحوار الوطني حتى الآن ، حيث أن فصائل في الحراك الجنوبي ترفض المشاركة فيه، مع استمرار اعتقال عدد من ناشطين الحراك الجنوبي الذي انطلق عام 2007  .وهناك قوى ذات منشأ شمالي لا تحبذ الفيدرالية، خاصة حين ينحصر مقترحها بإقليمين شمالي وجنوبي، إذ ترى أن هذا التقسيم يمهد لانفصال الجنوب مستقبلا. ويقف في مقدمة هذه القوى حزب التجمع اليمني للإصلاح و التنظيم الناصري المشاركان في تكتل أحزاب اللقاء المشترك  المكون من أحزاب يسارية وقومية وإسلامية، ويشارك بنسبة 50 في المئة في حكومة الوفاق الوطنية  .
من هذه التحدّيات، "الحراك السلمي الجنوبي"، و"الحراك" ، ليست له قيادة موحَّدة، وهو يقوم على عدد من الرؤى المختلفة التي تدّعي كل واحدة منها التكلّم باسم الحركة كاملة. لكنها تلتقي كلّها حول اهتمامات ثلاثة : تصحيح الشوائب في توحيد اليمن، وتطبيق الفدرالية، ومدى الحكم الذاتي أو الاستقلال في الجنوب. [ 6 ]….لقد ابدت جميع الأطراف اليمنية موافقتهم على المشاركة في المؤتمر باستثناء جماعة/ الزيدية الحوثيون وفصائل الحراك الجنوبي مازالت غير مستقرة في قراراتها ، والأخيرة تعد، بحسب المراقبين، العقبة أمام استكمال التحضيرات لعقد المؤتمر، حيث تعارض معظم الفصائل الحراكية الجنوبية المشاركة في أي حوار لا يتضمن تقرير مصير الجنوب بما يسمونه فك الارتباط أو استعادة الدولة أو الانفصال، في حين تطرح فصائل أخرى مطالب مسبقة تتعلق بمسألة الفيدرالية بين إقليمين، شمالي وجنوبي.
 
ـ الزيدية / الحوثيون في صعدة : هنالك تعاطف مع المشروع الحوثي مع قبول  شعبي  يجده في بعض المناطق ،  لكن الزيدية/ او المشروع الحوثي ،غير قادر حتى الآن على إعلان توجهاته السياسية المعروفة تاريخيا عن المذهب الذي ينتمي إليه،  لكن مصدر قوته الحقيقية يكمن في أنه نجح خلال السنوات الثماني الماضية في تكوين جيش صغير مسلح بعتاد ثقيل لا يمتلكه إلا الجيوش الرسمية، وقد أتاح له الدعم الخارجي وتحالفاته الجديدة مع جزء مهم من أجهزة الرئيس السابق العسكرية والأمنية أن يعيد إنتاج الحضور العسكري لحزب الله اللبناني في بعض المناطق التي سيطر عليها . هذا الغموض الذي يكتنف المشروع الحوثي الحقيقي يجعله بامتياز أحد الألغام داخل مؤتمر الحوار؛ فلا شك أن أي حل حقيقي لن يسمح ببقاء أمراء الحرب والكيانات التي لا تقع تحت سيطرة الدولة  وقد لا يكون بإمكان الحوثيين أن يظلوا مهيمنين على صعدة بهذه الصورة القائمة الآن.

ـ هيكلة الجيش والدفاع : الهيكلية تعني  اعادة بناء الدفاع والامن  اي تشكيلات الجيش و مؤسسات الحرس الجمهوري و الامن السياسي والامن القومي وغيرها لترتبط بالقائد الاعلى للقوات المسلحة تحت هيكلية جديدة تعيد رسم تشكيلات  وقيادات جديدة تضمنت تنحي أقارب ألرئيس صالح  من المسؤولية  ….أن هيمنة مؤسسة الرئاسة على الجيش والأمن تتمثل صعوبتها في أن الطرف الذي تمثله جبهة الرئيس السابق علي صالح وحلفائه تجد في توحيد هاتين المؤسستين نزعا مهينا لأبرز مصادر القوة لديها  ومع أن الرئيس اتخذ قرارات مهمة على طريق هيكلة الجيش والأمن إلا أن أصعب هذه القرارات  كانت تتعلق بإعفاء ما تبقى من القيادات الموالية للرئيس السابق…ومع ذلك؛ فإن اتخاذ قرارات حاسمة لتوحيد مؤسستي الجيش والأمن للتهيئة لانعقاد مؤتمر قد يؤدي إلى اضطرابات أمنية وربما تمردات هنا أو هناك تؤدي إلى تعطيل انعقاد المؤتمر إلى أجل غير محدد! ولعل هذا المأزق قد يجعل الرئيس هادي يبتكر صيغة ما توفق بين الاتجاهين : أي إجراء تغييرات جذرية لا تسمح للمتضررين بمبررات كافية لإثارة القلاقل، وفي الوقت نفسه ترضي قوى الثورة الشعبية بإزاحة بعض من المتنفذين الكبار من أقارب الرئيس السابق مطلوب تغييرهم  لتمهيد الطريق لعقد المؤتمر
 
ـ تنظيم القاعدة والشريعة: مازال هنالك   تنظيم القاعدة والشريعة والتنظيمات الجهادية  الاخرى التي مازالت تستغل فراغ السلطة في بعض مناطق اليمن وخاصة الجنوبية  . وقد  طرح  الرئيس هادي  في سبتمبر 2012 مشروع  حوار مع التنظيمات الجهادية  بما في ذلك تنظيم القاعدة على شرط إلقاء السلاح ورفض الدعم من الخارج.
 
يبقى التحدي الأمني الذي تشكله المجموعات المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة لغما في مواجهة مؤتمر الحوار
لكن لدى ألفرقاء آلاخرين نظرة مختلفة إلى الأمور، إذ يعتبر الدكتور عادل الشجاع، أستاذ التاريخ في جامعة صنعاء، أنه من شأن الجماعات الإسلامية أن تعرقل أيّ حوار يقود إلى التوصّل إلى اتّفاق حول قيام دولة مدنية، مع أن الحزب الإسلامي الأكبر، "الإصلاح"، يرفع شعارات الدولة المدنية. ويضيف أن "الجماعات الإسلامية ترى أن الدولة المدنية تتعارض مع الإسلام. والإسلاميون يرفضون فكرة المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، وبين الرجال والنساء". ويحاول"تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" تعطيل أي تقدّم يمكن أن يقود إلى إحراز نجاح سياسي، كما أنه يطرح تحدّيات أمنية ، لكن مع ذلك، يصرّ البعض على وجوب مشاركة القاعدة في الحوار.
 
الخطة الجديدة لإدارة أوباما: أن اهمية الخطة الجديدة لإدارة أوباما التي اعلنت في 5 يناير 2012 وحملت في "طياتها فرصةً لشراكة أمريكية يمنية استراتيجية . ان خطة الدفاع الجديدة تطرح "فكرة تغيير الولايات المتحدة لسياساتها من استراتيجية العمل العسكري الى استراتيجية الردع ، لاستيعاب التهديدات في منابعها واغتنام الفرص لمواجهتها. وتقوم الاستراتيجية على خفض الموازنات والقوات والطائرات المقاتلة والسفن الحربية والقواعد العسكرية اللازمة للإبقاء على القوة، وعلى زيادة عمليات الطائرات من دون طيارين والعمليات الاستطلاعية المتقدمة والقوات الخاصة لأغراض التصدي . [ 8 ]…على الرغم من ان الاصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة الجيش يأتيان في أعلى قائمة الأولويات للدفع باليمن الى الامام ، فسوف يتطلب إصلاح الجيش الكثير من العناية والخبرة ، غير ان وجود سلاح خفر سواحل يمني بهيكلية محكمة وقيادة جيدة ومجهز تجهيز جيداً، يتحرك بشكل فعال في البحر الاحمر وخليج عدن، سيكون قوياً في دعم القوات المشتركة 150 Combined Task Force 150 وقوات مجلس التعاون الخليجي في مواجهة القرصنة وقمع مخططات حركة الشباب والقاعدة في جزيرة العرب. وبالإضافة الى ذلك، سيكون لدى الولايات المتحدة حليف موثوق به فعال في المنطقة الفاصلة بين القيادة المركزية الامريكية CENTCOM وقيادة القوات الامريكية في افريقيا AFRICOM." وتعمل تلك القوات بموجب تفويض من مجلس الأمن في مكافحة القرصنة الصومالية والسطو المسلح. وتجري تلك العمليات في اجزاء من المياه الإقليمية اليمنية وفي باب المندب وخليج عدن وبحر العرب واجزاء من شمال غرب المحيط الهندي وعلى مقربة من ارخبيل سقطرة اليمني، ومن هنا تقع تلك العمليات بين نطاقين منطقتين من تقسيمات الجيش الامريكي الخمسة، هي الجيوش في افريقيا والجيوش في المنطقة المركزية، وهي منطقة تشمل شمال افريقيا والشرق الاوسط وجنوب غرب آسيا وتقع اليمن جغرافياً فيها. 
 
الخلاصة : أن  طول المرحلة الانتقالية لليمن وحجم التحديات للحوار الوطني ،  بدون شك تزيد من تفاقم الاحتقان  والخلافات بين الفرقاء السياسيين .
 
النظام السياسي:
اليمن  يختلف كثيرا عن باقي دول المنطقة من حيث التركيبة السياسية بالاضافة الى الطبيعة القبلية السكانية التي مازالت تمثل ابرز ملامحه . أما النظام الشمولي الذي كان ايام عهد صالح فيختلف ايضا عن بقية الانظمة العربية الشمولية  ، فوسط الحزب الحاكم كان هنالك الكثير من الحريات للاحزاب السياسية المعارضة او المشتركة معه في الحكم ، اما اعلاميا فتجد اليمن من  احدى دول المنطقة يكثر فيها  في مراكز الدراسات والنشرات والاصدارات ، رغم سيطرة الاسلاميين عليها.  لقد كان نظام علي صالح  من نوع مختلف مابين النموذجين…..أما المعارضة ، اي اللقاء المشترك فكان لها ايضا تمثيلا في البرلمان اليمني ولها صحافتها الحرة  ، ويعتبر حزب الاصلاح / الاخوان المسلمين، اليدومي والزنداني من الحزب الحليف والشريك في الحكم رغم ان المشهد السياسي اليمني كان  ينقسم الى قسمين : الاول الحزب الحاكم في السلطة والثاني من يمسك الشارع وهو الاصلاح والمعارضة ….نظام علي صالح بالتاكيد كان له قبضة شديدة في مواجهة الزيدية / الحوثيين في صعدة لاكثر من ثمان حروب مستمرة وكانت موضع انتهاك لحقوق الانسان اعترفت وصرحت به العديد من المنظمات الدولية . أما الحراك الجنوبي فهو الطرف الثاني الاكثر تضررا ايضا نتيجة سياسة صنعاء  والذين يعاني من التهميش . القبيلة مازالت تحكم  اليمن واعرافها .

صحيفة صوت الحرية اليمنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى