انتقد الحكومة والمعارضة وأمتع الجمهور : دكان المعاناة تفتح للمرة الثالثة !
انتقد الحكومة والمعارضة وأمتع الجمهور : دكان المعاناة تفتح للمرة الثالثة !…في تعليق مختصر، مرفق مع صورة مزدوجة من وثائق المسرح السوري نشر الفنان حازم زيدان عبارة جميلة تقول : “في هذا اليوم و في ذات اللحظة و على ذات المسرح .. الفارق زمنياً ٣٠ سنة . أبي أحبك! ”
وفي هذه العبارة يختزل حازم تجربة مسرحية (سوبر ماركت) ، التي افتتحها الفنان أيمن زيدان للمرة الثالثة في حلة إخراجية مثيرة للانتباه فأدخل المسرحية المقتبسة عن داريوفو إلى الواقع السوري الذي نعيشه الآن، وأخرجها من بوابة الأزمة التي يعيشها السوريون.
أعاد المسرحية للمرة الثالثة، وكأنه يلح على مضمونها ورؤيتها، والثالثة ثابتة كما يقال، فانتبهوا لما يجري، انتبهوا إلى الصرخات الأخيرة في المسرحية ، انتبهوا إلى التفاصيل، والنداء للجميع، لكن أحداً لا يعنيه هذا (الصراخ) الجرس المسرحي الذي صاغه بتحريض واضح على ضرب الفساد بقوة والذي يشي باتساعه أفقيا وعمودياً كما قدمته المسرحية.
وحكاية المسرحية بسيطة حيث تهجم النساء على السوبر ماركت لتنهب مافيها نتيجة الحاجة، وتبدأ الوقائع مع لجوء الشرطة إلى البحث عن البضائع المسروقة في البيوت، وفي أحد البيوت ثمة نقابي يساري نظيف أرادت زوجته إخفاء السرقات عنه، وفي هذه الحكاية كشف الواقع أمام الناس، فانتقدت الحكومة والمعارضة ولم يكن من الصعب الاستدلال على محركات الفساد وآلياته.
النص الإيطالي لـ داريوفو، الذي تلقفناه مترجما منذ عشرات السنين بعد أن ترجمه نبيل الحفار، ثم شاهدناه على المسرح مجسدا قبل ثلاثين عاماً، انتقل فيه أيمن زيدان من لعب الدور إلى إخراج المسرحية، وتسليم الدور إلى ابنه حازم، وإذا كنا نرغب دائما في البحث عن نص محلي، فإذا بالمسرحية المقتبسة تكاد تكون محلية لولا الفكرة وأسماء الشخصيات!
في عملية الاقتباس التي قام بها الفنان الكبير أيمن زيدان مع محمود الجعفوري تمرس واضح في فهم الفكرة المسرحية وإسقاطها على الواقع، ورغم أن المسرحية هي ابنة مرحلة معينة، تمكنت عملية الاقتباس من إسقاطها على الواقع فبدت كنص محلي معجون بفكرة عالمية .
الملفت في المسرحية الأداء المتقن والرشيق للمثلين كافة ، الذي جعلهم أبطالاً على خشبة تحتاج إلى حركة واسعة وحوارات طويلة، وفي هذا الأداء تمكنوا من إسعاد الجمهور في مفارقات الحركة والحوار، وتمكنوا من شحنه بالموقف الذي أرادته المسرحية، فسقطت احتمالية (التهريج) التي يمكن أن يقع فيها ممثلون آخرون في بداية نجوميتهم ، وعلى ذلك ينبغي فعلا تكريم هؤلاء الذين نعتز بظهورهم على هذه السوية في التمثيل بدءا من حازم زيدان الذي حل محل الفنان أيمن زيدان مرورا بقصي قدسية وحسام سلامة وخوشتاف ظاظا والأداء الملفت للفنانة لمى بدور التي أضحت نجمة تستحق الاهتمام في كل ماقدمته في السينما والمسرح، والفنانة سالي أحمد في أول دور تلعبه على الخشبة.
هذا النوع من الكوميديا ، لم يكن ليخلق صالة مندمجة متفاعلة لولا التماس مع عمق المعاناة في المجتمع السوري الذي أنجزه النص، ولولا الأداء الذي قام به هؤلاء في لعب الأدوار .
بقي الحديث عن الجمهور، فقد عودنا الفنان أيمن زيدان على شباك تذاكر مزدحم، عليك أن تقف في رتل من أجل الحصول على بطاقة، وعليك أن أن تراقب تفاعل الجمهور مع اللعبة المسرحية، وقد تقصّدتُ حضور المسرحية بعد أيام من انطلاقها، فإذا الصالة تغص بالجمهور وكأن المسرح عاد بثقة إلى الناس !