انشاء قناة اتصال عسكرية «ثلاثية»: أنقرة تطرق باب منبج من موسكو

تعيد أنقرة سيناريو مجهودها الديبلوماسي الذي امتد أشهراً قبل معركة مدينة الباب، محاولة إقناع موسكو وواشنطن بكسر «خط الفصل» في محيط منبج. ويبدو أن الجهود الأخيرة تعكس ما تم الاتفاق عليه في «اجتماع أنطاليا»، من ضرورة التنسيق المسبق للأدوار في الشمال السوري، والذي بدا أول ملامحه عبر تشكيل لجنة عسكرية ثلاثية رفيعة المستوى.

بعد مضيّ أسبوع على اتفاق دخول القوات السورية ــ الروسية المشتركة إلى نقاط التماس مع قوات «درع الفرات» في ريف منبج الغربي، وما رافقه من نشر تعزيزات أميركية في محيط المدينة، تكثف أنقرة نشاطها الديبلوماسي والعسكري لتدارك كبح تقدمها من قبل واشنطن وموسكو.

ويبدو مشهد منبج من المنظور التركي أعقد مما كان عليه الوضع في مدينة الباب المجاورة، التي لجمت تركيا عنها لمدة طويلة قبل دخولها، عبر خطوط حمراء روسية وتقاعس أميركي عن دعم العملية هناك.

ومع الإعلان الأميركي على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال جوزيف دانفورد، عن أولى نتائج «اجتماع أنطاليا» الثلاثي، بإنشاء قناة اتصال ثلاثية على مستوى عسكري عال» بهدف «التوصل إلى آلية لتخفيف التوتر»، صار من الصعب على تركيا القيام بمجازفات خارج الأطر التي يرسمها تفاهم موسكو ــ واشنطن عبر تلك اللجنة، رغم محاولاتها الجانبية لاستمالة واشنطن وروسيا بشكل منفصل، لحجز دور في معركة الرقة، أو دخول منبج عوضاً عن الأكراد. وفي موازاة ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن آلية التواصل بين العسكريين الأميركيين والروس لضمان أمن العمليات الجوية في سوريا تطورت، وأصبح الطرفان يستخدمانها «أكثر فأكثر للإبلاغ حول القيام بعمليات برية». ولم يوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع، جيف ديفيس، ما إذا كانت هناك خطط لعقد اتفاقات جديدة بين بلاده وروسيا في هذا الشأن.

وبدا هذا التوجه التركي واضحاً في حديث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أثناء زيارته لموسكو، إذ أكد أنه لم يتخلّ عن رغبته في سيطرة قوات «درع الفرات» على مدينة منبج السورية، وأبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يسعى للعمل مع «التحالف الدولي» في هذا الخصوص. وشدد على أن «العمليات التركية لتطهير مناطق شمال سوريا من العناصر الإرهابيين، مهمة جداً»، مضيفاً أن «وضع حدّ لسفك الدماء في سوريا، مرهون باتخاذ إجراءات مشتركة» مع موسكو وواشنطن.

بدوره، شدد الرئيس الروسي على أهمية الاتصالات بين وزارتي الدفاع الروسية والتركية والتنسيق العسكري التقني بين البلدين. وأشاد بالتعاون الروسي ــ التركي ــ الإيراني لتسوية الأزمة السورية عبر اجتماعات أستانة، موضحاً أنه «بفضل تعاوننا، كنا قادرين على تحقيق وقف إطلاق النار في سوريا. ولأول مرة في أستانة، جلس طرفا الصراع على طاولة واحدة». وأضاف أن «الإجراءات المنسقة أدت إلى الالتزام بالهدنة بشكل عام، وخفض مستوى العنف بشكل كبير».

وربطاً بنشاط أردوغان في موسكو، دعا نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، الولايات المتحدة وروسيا إلى الاختيار بين تركيا وتنظيم «ب ي د» (حزب الاتحاد الديموقراطي السوري).

وأوضح في معرض ردّه على سؤال حول الصور التي أظهرت جنوداً من الروس يضعون شارات تعود إلى «مجلس منبج العسكري»، جدّد قورتولموش تأكيده أن «بلاده لا تفرّق بين المنظمات الإرهابية»، موضحاً أن «على الولايات المتحدة وروسيا أن تقررا ما إذا كانتا تفضّلان ثلاثة إلى خمسة آلاف مسلح من تنظيم (ب ي د) على الدولة التركية ذات الثمانين مليون نسمة، والتي تتمتع بالاستقرار وتمتلك أكبر جيش في المنطقة». ودعا قورتولموش «التحالف الدولي» إلى الحذر من «تغيير التركيبة الديموغرافية للمدن»، خلال العمليات العسكرية في سوريا، مضيفاً القول إن «الرقة مدينة عربية 100% تقريباً، وإذا نفذتم عملية ضد (داعش) هناك من خلال تنظيم (ب ي د)، فإن هذا يعني تطهير العرب عرقياً ورميهم خارج المدينة، وتوطين عناصر من غير أهالي المدينة مكانهم».

وترافق الحراك الديبلوماسي التركي بتصعيد عسكري على جبهة أعزاز، إذ استهدف الجيش التركي، يوم أمس، عدداً من القرى التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية، في محيط مدينة أعزاز. ونقلت مصادر كردية أن القصف طاول قرى المالكية ومرعناز وفيلات القاضي. وضمن سياق متصل، قالت صحيفة «إيزفيستيا» الروسية إن «قيادة القوات البحرية التركية أرسلت إلى سوريا وحدات (كوماندوس) من مشاة البحرية التركية للمشاركة في عملية (درع الفرات)، إلى جانب قوات نخبة خاصة».

وبالتوازي مع إعلان الجيش التركي «قتل 71 مسلحاً كردياً» في سوريا خلال الأسبوع الأخير من عملياته في ريف منبج، طالبت وزارة الخارجية السورية، في رسالتين وجهتهما إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بـ«إلزام تركيا سحب قواتها الغازية… ووقف الاعتداءات والحفاظ على الأمن والاستقرار». وأوضحت أن «قوات النظام التركي قامت (يوم الخميس 9 آذار) بتوجيه نيران مدفعيتها ورمايات صواريخها على مواقع تابعة للجيش السوري والقوات الرديفة قرب مناطق تابعة لمدينة منبج»، مضيفة أن «القصف الذي استهدف نقاط حرس الحدود أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى».

من جهة أخرى، قالت «قوات سوريا الديموقراطية» إن لديها «القوة الكافية» لانتزاع مدينة الرقة من تنظيم «داعش» بدعم من «التحالف». وأوضحت المتحدثة باسم «قسد»، جيهان شيخ أحمد، في بيان، أن «عدد قواتنا الآن في تزايد، وخاصة من أهالي المنطقة، ولدينا القوة الكافية لتحرير الرقة بمساندة قوات التحالف». وأضافت أن «الرقة أصبحت الآن مدينة معزولة، ولدينا معلومات تفيد بنقل العدو لقسم من قيادته إلى خارج المدينة، كما يقوم بحفر الأنفاق تحت الأرض. ونتوقع أنهم سيحصّنون المدينة، وأن التنظيم الإرهابي سيعتمد على قتال الشوارع».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى