انقلابٌ عسكريٌّ مدعومٌ أمريكيًّا في فنزويلا.. إنّها مُقامرة ستكون باهِظة الثّمن لترامب وإدارته..
فنزويلا تقترب بسرعةٍ من حربٍ أهليّةٍ، وحمّامات دماء بسبب دعم الرئيس دونالد ترامب لانقلابٍ عسكريٍّ بقيادة “دُميته” خوان غوايدو، زعيم المُعارضة، ومجموعةٍ صغيرةٍ من العسكريين، قالت قيادة الجيش الفنزويلي إنّها على وشك السّيطرة على الموقف وإجهاض الانقلاب.
غوايدو الذي نصّب نفسه رئيسًا بالنّيابة بعد استدعائه لزيارة واشنطن، واللّقاء مع الرئيس ترامب، وجون بولتون، ومايك بومبيو، ظهر بالملابس العسكريّة وسط مجموعةٍ من الجُنود في قاعدةٍ عسكريّة، زاعمًا “أنّ المرحلة الاخيرة لإنهاء حُكم الرئيس نيكولاس مادورو قد بدأت”.
الجنرال فلاديمير بادرينو وزير الدفاع أكّد أنّ القوّات المسلحة الفنزويليّة تقف بصلابةٍ للدّفاع عن الدستور والسلطة الشرعيّة، وأن القواعد العسكريُة تعمل كالمُعتاد، أمّا الإدميرال ريميغو سيبلوس، قائد الجيش، فقد أكُد بدوره ولاء المُؤسّسة العسكريّة للرئيس مادورو، ووصف المجموعة الانقلابيّة والمُشاركين فيها بالخوَنة.
لا نعرف حتى كتابة هذه السطور ماذا حدث للحركة الانقلابيّة، ولكن كُل الدلائل تُشير إلى أنّ الجيش الفنزويلي سيطر على الموقف وأنّ “الجِنرال” غوايدو الذي ظهر مُرتديًا بزّةً عسكريّةً فد اختفى من المشهد، حسب أحدث تقارير وكالات الأنباء، ولم تتخلّ حكومة مادورو عن رباطه جأشها، وتحلّيها بأعلى درجات ضبط النّفس، وتُقدم على اعتقاله وزُمرته بالتّالي.
الرئيس ترامب لا يجرؤ على تنفيذ تهديداته بغزو فنزويلا والإطاحة بالنّظام الحاكم فيها، لأنُه رجل معروف بحُروبه الكلاميّة، أو خوض الحُروب بالوكالة، فقد هدّد بالحرب ضد المكسيك وتراجع، وبأخرى لاستعادة شبه جزيرة القرم ولكنّه اكتفى بعُقوباتٍ اقتصاديّة، وتوعّد بجدع أنف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وهدّده بحربٍ نوويّة، وعايره بأنّ زرّه النوويّ أكبر، ليهرول للقاء به مرّتين في سنغافورة وهانوي، والمُبالغة في مدحه وإطرائه ليعود مُنكسرًا وخالي الوفاض، ودون الحُصول على تنازل في عُشر القضايا المطروحة، مِثل نزع الأسلحة النوويّة ووقف التّجارب الصاروخيّة الباليستيّة، وخرج غاضبًا قبل انتهاء اللقاء الأخير وألغى مُؤتمره الصّحافي.
الضربة القاصمة للرئيس ترامب وجّهها له نشطاء فنزويليون في عُقر داره قبل أسبوع، عندما اقتحموا سفارة بلادهم في واشنطن، واحتلّوها، وطردوا سفير غوايدو منها، في رسالةٍ واضحةٍ له تُوضّح ما ينتظره وصُقوره الذين يقرعون طُبول الحرب في فنزويلا.
الدول الأوروبيّة جميعًا، ودون استثناء، التزمت الصّمت تُجاه المُحاولة الانقلابيّة في فنزويلا، في مُؤشّرٍ مُتزايدٍ عن ابتعادها عن السّياسة الأمريكيّة الدّاعمة له، واكتفت مُعظمها، إن لم يكن كلها، بالتّحذير من حربٍ أهليّةٍ وصدامات دمويّة، وهي التي سارعت بالاعتراف برئاسة غوايدو في بداية الأزَمة، ولعلّها أدركت خطأها وتسرّعها.
ولعلّ الموقف الأكثر أهميّة هو عقد الرئيس فلاديمير بوتين اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن القومي الروسي لبحث الوضع في فنزويلا، وقضايا أُخرى من بينها لقاء القمّة بين الرئيس الروسي ونظيره الكوري الشمالي في دافيستوك قبل ثلاثة أيّام.
روسيا والصين تُشكّلان جبهةً واحدةً في مُواجهة التدخّل الأمريكي لتغيير النّظام في كاراكاس، وتُقدّمان الدّعم للرئيس الشرعي مادورو، ولم تتوقّف الصين مُطلقًا عن شِراء الذهب والنفط من فنزويلا التي تملُك أكبر احتياط نفط في العالم، أمّا بوتين فيعتبر فنزويلا “سوريا أمريكا الجنوبيّة” بالنّسبة إلى بلاده، وأرسل إليها أربع طائرات قاذفة مُجهّزة برؤوسٍ نوويّةٍ.
في اللّحظات الصّعبة تظهر معادن الرجال، وهذا ما يُمكن قوله عن قادة المُؤسّسة العسكريّة الذين التفّوا حول رئيسهم مادورو باعتباره رمز الشرعيّة الدستوريّة، والرئيس مادورو نفسه الذي خاطب أنصاره، وأعلن أن أعصابه من حديد، وسيُحبط المُؤامرة بدعم الشّعب والجيش معًا.
مشروع ترامب الشرق الأوسطي في سورية مُني بهزيمةٍ مُذلّةٍ، وخسارة 90 مليار دولار، ومشروعه الآخر في أفغانستان واجه النّتيجة نفسها، وبات يستجدي الطالبان بانسحابٍ آمن، وقوّاته في العِراق باتت مُحاصرةً بالحشد الشعبي الذي ينتظر الضّوء الأخضر للانقضاض عليها ونظيرتها في سورية، واتّصاله الهاتفي مع المشير خليفة حفتر في ليبيا أعطى نتائج عكسيّة حتّى الآن، فلم يتقدّم المشير ملّيمترًا واحدًا في هُجومه على طرابلس مُنذ أسبوعين.
الانقلاب العسكريّ المدعوم أمريكيًّا في فنزويلا محكومٌ بالفشل.. ولا نستبعد أن تتحوّل كاراكاس إلى هانوي أمريكا الجنوبيّة بطريقةٍ أو بأُخرى.. فلم تدعم أمريكا حركة مُعارضة مُسلّحة تتحدّى الشرعيّة الوطنيّة طِوال العُقود الأربعة الماضية إلا ومُنيت بالهزيمة، وإذا وصلت إلى الحُكم فلم تُعمّر فيه طويلًا، وإن عمّرت ففوق بركان دولة فاشلة، والقائِمة طويلة، والمُعارضة الفنزويليّة لن تكون استثناء.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية