برنامج فرنسي: كوكب الأرض معروض للبيع!
كل عناصر الطبيعة، مثل الهواء والماء والأنهار ستكون معروضة للبيع… بل بدأت بالفعل عمليات بيعها في السوق التي هيمنت عليها ومنذ ظهورها كبريات الشركات الصناعية والبنوك العملاقة مستغلة الحاجة الملحة لدرء الأخطار والتهديدات التي تواجه الحياة البرية والبيئات الحساسة المهددة بالانقراض، فجاءت بأفكار جهنمية تقول أن رؤوس الأموال الصناعية والمصرفية والشركات التجارية وحدها قادرة على حماية البيئة بعد عجز الدول عن حمايتها وأن إخضاع مفردات الطبيعة لقوانين السوق (العرض والطلب) أي أن يكون لكل عنصر في الكون سعر وقابل للتبادل هو الحل. فالسوق والاستثمارات في مجال البيئة، وفق ما جاء في مقابلات البرنامج التلفزيوني الفرنسي «كوكب معروض للبيع» مع عدد من أصحاب المشاريع والبنوك وعلى رأسهم المنظر الاقتصادي بافان سوخيف، هي المؤهلة الآن لإنقاذ الطبيعة.
ينطلق البرنامج الوثائقي من النَّحل ودوره في التوازن البيئي انطلاقاً من تنبيه العالم انشتاين إلى خطورة المساس بدوره الطبيعي ليكشف أن عمل النحل الدؤوب والمجاني لإنتاج العسل خلال مئات ملايين السنوات ينحرف عن مساره الطبيعي لتصبح عمليات التلقيح تجارية يجني منها أصحابها أموالاً طائلة. فالمناحل وعمليات التقليح فيها ما عادت كما في السابق، بسبب التغييرات المناخية، لهذا يضطر أصحابها لشراء «عمال» النحل أو استئجارهم مقابل مبالغ معينة.
تكشف الأرقام وجود تجارة مزدهرة بلغت العام الماضي قيمتها حوالى 8 في المئة من قيمة الإنتاج الزراعي العالمي. وبمجرد سماع أن أكثر من مئتي بليون دولار دخلت جيوب الشركات مقابل بيعها اللقاح الطبيعي فإن النظرة إلى النحل ستختلف تماماً بعد الآن!
في الولايات المتحدة تجارة البيئة في ازدهار، فالشركات والبنوك شرعت ببيع سندات امتلاك أراضٍ ومساحات نهرية للمزارعين ووعدت بحماية أنواع معينة من الكائنات الطبيعية من الانقراض، ما أثار معه أسئلة: ترى أي الأنواع سيحميها أصحاب البنوك وأي الأنواع سيتركونها تهلك؟ ثم من سيقرر سعر الماء الجاري في الأنهر أو نوع الطيور المحلقة في الفضاء أو الهواء الذي نتنفسه منذ الأزل من دون مقابل؟
يكشف البرنامج التلفزيوني حقيقة مفزعة أن أكبر الشركات التي تنشط في عمليات بيع البيئة لـ «حمايتها» هي الشركات نفسها التي سببت الكوارث البيئية في العالم وأن معظمها يقف في مقدمة لائحة المتجاوزين لمؤشرات «البصمة البيئية» التي تؤشر إلى تأثير كل مجتمع أو مؤسسة على كوكب الأرض ونظامه الطبيعي ومقدار ضررها عليه. كما يتضح بأن الشركات المذكورة في البرنامج هي الأكثر خسارة من الأزمة المالية العالمية وقد وجدت في المتاجرة بالبيئة تعويضاً عن خسائرها.
يستعرض البرنامج الفرنسي سباق الشركات للحصول على أنواع معينة من الحشرات والغابات المطرية والحيوانات المهددة بالانقراض لضمان حمايتها أولاً ثم بيعها بأسعار عالية فأنشات لذلك بنوكاً سميت «بنوك حماية النوع» وبضاعتها الطبيعية معروضة للبيع والمضاربة مثل أي بضاعة أخرى، وفي الولايات المتحدة وحدها بلغ عدد البنوك 700. يقدم البرنامج مثالاً ساطعاً على الخلل والأخطار الحقيقية من التوجه الاقتصادي الجديد حين يذهب إلى غابات الأمازون ويسجل عمليات شراء أراض متضررة من وجود معمل «فالا» لاستخراج الحديد وتعدينه. لقد اشترت الشركة نفسها، بعد شكاوى لا حصر لها واحتجاجات من قبل حماة البيئة، عقارات من البنوك وقامت بزرعها بالأشجار من أجل تقليل انجرافات التربة وتلوث الهواء كما قالت، ولكن في النهاية اتضح أنها استثمرت الأرض في المضاربات وأنها خططت لزراعتها منذ البداية بنوع محدد من الأشجار قامت بقطعه بعد سنوات وبيعه بأسعار فاقت ما أنفقته على شراء الأرض البكر.
وفي أفريقيا اشترت شرك «غلوبال وود» الألمانية مساحات كبيرة من غابات أوغندا الطبيعية بدعوى حمايتها من الدمار ولكن النتيجة كانت ترحيل السكان الذين كانوا معتمدين في عيشهم عليها. أما الأموال المستحصلة من عملية قطع الأشجار وبيعها، فذهبت بالكامل إلى الشركة بعدما أجبرت سكان القرى القريبة منها على ترك قراهم وبقوة تدخل الشرطة. يقدم البرنامج عينات لعمليات بيع وشراء مكونات كوكبنا الطبيعية ويكشف أسماء بعض أصحابها ودورهم في تكوين لوبيات عمادها ساسة وشخصيات اقتصادية وأصحاب بنوك يروجون لفكرة المتاجرة بالطبيعة وتقديمها كوسيلة اقتصادية حديثة ناجعة لإنقاذ البيئة والبشر بدوافع إنسانية، ما دفع معدّيه إلى مقابلة شخصيات معارضة لهذا التوجه والذين يرون فيه حيلة جديدة وخطيرة جداً لجني الأرباح من مصدر ليس لهم بل هو للبشرية كلها. فالطبيعة خُلقت لخدمتنا وعلينا نحن الحفاظ عليها وليس هؤلاء الذين يتسببون في تدميرها واليوم يريدون بيعها لنا بالمال!
صحيفة الحياة اللندنية