بـأي لـغة نتفـاهم ؟
حين تود مصارحة إمرأة تحبها و هي تجهل ذلك و أنت تخشى رفضها فكيف يكون خطابك ؟ أو حين تنتقد شخصا لا تعرفه جيدا فما نوع الكلام الذي تتوجه به إليه ؟ أو حين تقرر مواجهة سلطة حاكمة مستبدة بانتقاد ما فكيف تختار كلامك إذا ما أردت ألا تَعاقب عليه ؟
بلى .. ليس أصعب من إختيار حتى مفردات الكلام إذا ما أردنا أن نقول الحقيقة و نتجنب في الوقت ذاته إغضاب الناس أو سوء فهمهم ؟
خلق الحوار بين البشر كي لا يؤدي الخلاف بينهم إلى استخدام العنف ، فنحن لا نتحدث مع جلسائنا دوما بالوضوح الذي يسهل الفهم و يمنع سوء التصرف بل يمكن القول إن اللغة التي أبدعها الإنسان الأول و ارتقى بها عن الكائنات الأخرى لم تنقذ البشر من عقابيل سوء التفاهم فكثيرا ما يقول أحدنا الكلمة و يندم عليها فورا لأنها أفقدته صديقا أو أكسبته عدوا، و باللغة ذاتها إذا ما أجاد أستخدامها يستميل قلب إمرأة عصية على التجاوب أو إحترام خصم و إذا ما أساء استخدامها أن تودي به و مع ذلك فما أكثر النصائح التي لا يمل المفكرون من الكتابة عنها لإرشاد الناس إلى الإختيار السليم للحوار مع الأخرين و بالتالي إلى إسباغ نوع من القدسية على ضرورة التفاهم البشري في استقرار السلام بينهم و ها أنذا أصنع مثلهم فأقول لكم هل يمكن أن يتنازل أي منكم عن شعوره بالتفوق و إلى أية درجة يمكنه الإعتراف بأخطائه و مسامحة الأخرين عن أخطائهم نحوه و إذا ما مضينا أبعد في محاكمتنا هذه هل يمكن مثلا لأهل قطر من الأقطار عربيا كان أم أجنبيا أن يتخلوا فعلا عن تعصبهم لقطرهم إذا ما نشبت حرب مع قطر آخر حتى و إن كان قطرهم هو البادئ بالعدوان ؟!
أكتب هذا الكلام كمن يعترف إلى كاهن مسيحي يصغي إلي و يساعدني ببركته على أن يغفر الرب لي إذا ما أسأت يوما إلى أحدهم دونما قصد مسبق و أن يرشدني إلى الأسلوب الصالح الذي يجب أن أستخدمه في الحديث أو الكتابة كي لا أغضب مثلا لجان الرقابة في بلدي أو في أي بلد آخر.
إنني أحلم بالتأخي الحقيقي بين البشر أجمعين في دولة واحد تضمهم و لغة واحدة يتفاهمون بوساطتها و بسلوك قادر على إلغاء التعصب و الجهل و النفاق و الغرور و غيرها من الرذائل ، و لكن إذا ما حدث هذا فعلا و توصلنا إلى هذه اللغة القادرة على إلغاء سوء الفهم بين المتخاطبين هل يبقى للكلام مكتوبا أم مشافهة القدرة على الإبداع الفني الذي يتطلب نوعا من المجاز الجمالي شعرا كان أم غناء أم قصة أم حديثا جذابا..
هنا لا بد أن نتساءل هل نحن ملائكة أم نحن في تطورنا مقبلين على أن نغدو كالملائكة فنتفاهم بسهولة و نتصالح باستمرار. هل خُلقنا حقا لعالم من هذا النوع الواحد أم أننا خلقنا كي نبقى البشر الذين يتحابون أو يتباغضون لا لشيء سوى أنهم عاجزون عن خلق اللغة التي لا يخطئ أحد في استخدامها ؟ …من نحن إذن ؟..