بورتريه
إلى رفيق صالح
ـ 1ـ
هو يفهم الشعر ويحبه، ولكّن اختصاصه تربية النحل، وإنتاج العسل.
أداة نقده للقصيدة دمعته، أو لمعان العينين العسليتين، يقول مبرراً عاطفته هذه: بأن وراء هذا الكلام القليل ليل طويل. وأمام هذا الكلام القليل أفق مفتوح.
الشاعر ـ يقول ـ يزخرف الخسائر، لا للتعود عليها، بل لتحمل فتنة جمال اليائسين
مرة أرسل لي، مع أحد موظفيه، مجموعة سيديات، ومجموعة “بلاك ليبل”. وعندما التقينا… قال: أظن أن الخمر اختراع الشعراء.
والموسيقى هي ما يفعله “طائرالبحيرات”… عندما يحس بدنو موته، يرتفع في السماء إلى أعلى طبقة باردة، ليغني أغنيته الأخيرة. ومن هناك…. من تلك الأعالي…يهوي ، ويموت”.
ـ 2 ـ
عندما رأى مدرسته الابتدائية القروية القديمة متصدعة الجدران، مكسرة النوافذ، وأطفالها يتأبطون كل يوم، رزمة الحطب مع رزمة الكتب لتدفئة الصف القارس.. تبرّع بتجديدها. حتى غدت أجمل مما في الذاكرة، حين كان هو أحد تلامذتها.
وعندما انتهى كل شيء… قرر أن يستعيد شيئاً أصبح، اليوم منسياً: “معونة الشتاء”. وضع في كل ظرف مبلغاً ووزعه على جميع التلاميذ. مستذكراً تلك الفرحة السنوية في أول كل شتاء ، قبل ستين عاماً من الآن. الفرحة بحذاء اوعلبة سردين وعبوة من زيت السمك.
ـ 3 ـ
قال صديقه القديم:
هو يعرف أشواك دروبي، شوكة شوكة، ونقصان أحذيتي، درباً درباً. يعرف وعثاء طريق الأمس، وانسداد طريق اليوم. يعرف أنواع أحذية المشي الطويل، وأحذية الوسادة الهوائية، وأصناف نعيم الأقدام في أصناف نعال الصانعين…
ولكنه كان ينسى دائماً، كلما عاد من سفر، ينسى أن يكون من بين هداياه لي: “حذاء للدروب”. فيقول: المرة القادمة. وحتى ذلك الوعد يغرف من جيوبه الآف الليرات ويتمتم: يمكنك المشي وأنت نائم .
فالدروب أحياناً هي من يأتي إلى معشر الحفاة.
ـ 4 ـ
لا يفلسف الغرام. يستمع إلينا جميعاً بحبورطازج ، وفضول من يشتهي ان يلمس هواء امرأة . يستمع إلى “خرطيات” الجلساء من أبناء جيلنا،وهم يتحدثون عن أفضل الطرق لاستدرج القطاة إلى البحيرة، وإلى مبالغاتهم بتعدد الناطرات على المفارق. وحين ينتهي سعال التدخين، والرئات المعطوبة…. ينهض هو متثاقلاً، مبتسماً، ويقول: أراكم الأسبوع القادم.
وحين يتوارى عن الأنظار، يقولون: “هذه هو الوحيد الذاهب إلى حبيبته”.
ـ 5 ـ
تاب عن الانحشار في تصدعات العمل في السياسة، بعد سنوات من السجن . كما ابتعد عن قاعدة تؤمن الوصول الى المناصب’ باي ثمن .
وعلى لوحة صغيرة في مكتبه نقرأ :
“إذا قبلت الدخول على اصطبل السياسة، عليك أن تتحمل:
فتارة تكون أنت فوق السرج،
وتارة يكون السرج فوقك”.