بين قوسين

بين البعد والواقع ! انا قلقانة !

جولي الياس خوري

أعيش اليوم تناقضاً حاداً بين ما أراه على الأرض وما يُنقل عبر العالم الافتراضي. في مكانٍ ما، هناك شباب وصبايا سوريين يصنعون الأمل، يرفعون الرأس، ويزرعون الفرح بمبادراتهم النبيلة والمبهجة. وفي المقابل، هناك قرارات وتصرفات على الساحة العامة تؤذي الحريات، وتُغذي خطاب التخوين، بل وتُشعل نيران التحريض الطائفي، مؤدية إلى انتقام يهدد السلم الأهلي ويشوّه أهداف الثورة التي لطالما حلمنا بها: العدالة، الحرية، الكرامة، ووطن لكل السوريين.

هذا التناقض مؤلم ومتعب، خاصة حين تتابعه من البُعد. فالسوشيال ميديا تمنحك نظرة عامة، واسعة، وتعرض وجهات نظر متعددة من مختلف المناطق. ترى الصورة الكبيرة، تشعر بمؤشرات وتغيرات في الرأي العام، وتفهم إلى أين قد تمضي الأمور. لكن على الأرض، كل منطقة تحيا واقعاً مختلفاً، أحياناً يكون نقيضاً لما تراه في مناطق أخرى. لذا، من الضروري أن نُدرك أن قراءة الحالة العامة أصدق من اختزال الواقع في تجربة محلية ضيقة.

ما هو واضح اليوم، أن هناك حالة من القلق والتوتر المتصاعد. التحريض الطائفي والمناطقي يُنذر بالخطر، وما يزيد الأمر خطورة أن كثيراً من هذا التحريض يأتي من الخارج، من أشخاص يرون الصورة الكاملة ويحذرون من تهديدات حقيقية على الحريات في الداخل، لكن خطابهم ينقلب أحياناً إلى تأجيج.

نحن بحاجة ماسة لإعلام رسمي شفاف، ناطق باسم الشعب. نحتاج إلى متحدثين رسميين يوضحون، يطمئنون، ويواجهون الشائعات. نحتاج إلى قانون يحاسب علناً كل من يُسيء ويحرّض، مهما كانت صفته. ترك الأمور لعشوائية السوشيال ميديا، حيث تنتشر الأكاذيب والتحريض والتخوين، هو خطر حقيقي على أمن الناس وكرامة الوطن، وهو إساءة حتى لسمعة الدولة.

ولا بد من التنبيه: السعي خلف “اللايكات” والترندات باستغلال مخاوف الناس، واللعب على الوتر الطائفي، هو جريمة أخلاقية ووطنية. البلد أمانة، وأي كلمة قد تُشعل ناراً لا تنطفئ. الدم ليس مجرد خبر، والانتقام ليس بطولة.

نريد الحقيقة. نريد الأمان. نريد وطناً يتسع للجميع، بلا خوف، بلا طائفية، وبلا تحريض.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى