بين التفاؤل والتشاؤم.. ماذا يريد إردوغان من الأسد؟
مع استمراره في سياساته الداخلية، وسعيه لأسلمة الدولة والمجتمع التركي، بعد أن أصبح الحاكم المطلق للبلاد منذ استفتاء نيسان/أبريل 2017، لم يفاجئ إردوغان أحداً بتخليه عن الإخوان المسلمين من أجل مصر والإمارات والسعودية، وعن حماس من أجل “تل أبيب”.
وشهدت علاقات الأخيرة بأنقرة، خلال الأشهر القليلة الماضية، تطورات مثيرة، خاصة في المجالين الاستخباراتي والعسكري، وهو ما يتبجح به الطرف الإسرائيلي ويقول إنه يستهدف إيران.
وجاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة وبعدها إلى دمشق لتثير العديد من التساؤلات بعد أن قال أمير عبد اللهيان إنه “نقل للرئيس الأسد مخاوف الرئيس إردوغان الأمنية”. وهو ما عدّه البعض محاولة إيرانية للوساطة بين أنقرة ودمشق بعد تراجع حماس العواصم العربية للمصالحة مع دمشق.
وعلى الرغم من زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات في 18 آذار/مارس الماضي، أشار البعض إلى تراجع حماس السعودية والإمارات للمصالحة مع إردوغان، ودخول الشيخ تميم على هذا الخط بعد زيارته القاهرة، إذ ينتظر الجميع قمة الرئيس بايدن في جدة 15 الشهر الجاري. وبعدها، سيقرر الرئيس السيسي كيف سيرد على مساعي الرئيس إردوغان للمصالحة معه، وهو ما ينتظره إردوغان بفارغ الصبر ليقرر، بدوره، ماذا سيفعل في سوريا وليبيا والعراق.
فإردوغان الذي تخلى عن حماس والإخوان المسلمين لم يفعل ذلك في سوريا وليبيا، وهو على علاقة وطيدة بكل الفصائل والمجموعات الإسلامية ذات الجذور الإخوانية، السياسية منها والمسلحة.
وما العودة إلى “المخاوف الأمنية” التي شرحها إردوغان للوزير الإيراني إلا للحديث عن الوضع شرق الفرات، ناسياً أنه السبب في هذا الوضع منذ البداية. فقد استضافت أنقرة واسطنبول خلال العامين 2012-2015، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم عدة مرات، وحاول إردوغان وأحمد داود أوغلو إقناعه بالتمرد ضد دمشق، مقابل أن يساعداه في الحصول على ما يريد في سوريا الجديدة، بعد التخلص من الرئيس الأسد.
وكان إردوغان بسياساته العقائدية ذات الطابع القومي والديني والتاريخي السبب الرئيسي، وما زال، للمخاوف الأمنية للرئيس الأسد والدولة السورية عموماً، بسبب الدور الذي لعبته أنقرة، وما زالت، في الأزمة السورية، باعتراف حمد بن جاسم، الذي اعترف أكثر من مرة “أنهم فعلوا كل شيء في سوريا عبر الحدود التركية معها”.
ومن دون أن يخطر على بال إردوغان أن التخلص من مخاوفه الأمنية يتطلب منه، بالدرجة الأولى، الحوار المباشر مع الرئيس الأسد، وليس مع أجهزة استخباراته، وهو ما يقوله بين الحين والحين. فإذا كانت وحدات حماية الشعب الكردية الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي هي سبب مخاوف إردوغان، فما عليه إلا أن يتفق والرئيس الأسد على صيغة ما تساعدهما في معالجة هذه الأزمة بالأساليب السياسية والسلمية وليس العسكرية.
وباستمرار هذه الأزمة، ستستمر مخاوف إردوغان الأمنية، وكان عليه أن يعالجها مع حليفه الرئيس بايدن خلال لقائه به في قمة الأطلسي في مدريد. فالجميع يعرف أن المصدر الحقيقي لمخاوف أنقرة هو استمرار الدعم الأميركي والأوروبي، أي حلفاء إردوغان، لوحدات حماية الشعب الكردية شرق الفرات، مع دعم سياسي ومعنوي ونفسي في جميع الدول الغربية.
ويعرف الجميع أيضاً أنه، في مقابل مخاوف إردوغان الأمنية في الشرق السوري، ثمة مخاوف لدى دمشق لا تقل خطورة عنها؛ بسبب الوضع غرب الفرات، خاصة إدلب حيث تسيطر القوات التركية على حوالى 9% من الأرض السورية. في الوقت الذي يؤكد إردوغان ووزراؤه بين الحين والحين التزامهم بوحدة هذه الأرض والسيادة السورية على كامل هذا التراب.
يعدّ استمرار الدعم التركي الشامل لعشرات الآلاف من مسلحي الفصائل السورية المختلفة مصدر القلق الرئيسي بالنسبة إلى الدولة السورية، التي ترى في هؤلاء المسلحين إرهابيين، حالهم حال المسلحين الأجانب في إدلب، ومعظمهم من الشيشان والإيغور، فهم جميعاً مصدر قلق حقيقي وبالغ بالنسبة إلى روسيا والصين ودول أخرى ما زال مواطنوها يقاتلون في صفوف “النصرة” في إدلب وجوارها، ولن تتردد واشنطن في الاستفادة منهم لاحقاً، إذا طال أمد الحرب في أوكرانيا كما استفادت أنقرة من المرتزقة السوريين في ليبيا وكاراباخ.
يبدو واضحاً أن أنقرة، وفي ظل المعطيات الحالية، لا تفكر بالتخلي عن مشروعها في إدلب والشمال السوري عموماً، حتى وإن لم تقم بأي عمل عسكري جديد في المنطقة، خلافاً للضجة الإعلامية التي أراد إردوغان من خلالها أن يساوم بها الرئيس بايدن، والغرب عموماً، في قمة الأطلسي، التي أعلنت الصين عدواً إضافياً لها بعد روسيا.
ويبقى الرهان على التطورات المحتملة بعد قمة جدة التي، إن خرج بايدن منها منتصراً بتحقيق ما يرنو إليه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فالأمور ستكون أكثر وضوحاً بالنسبة إلى كل الأطراف، التي ستتسابق فيما بينها للحصول على دور البطولة في الفصول الجديدة للمسرحية الأميركية. ويتمنى الرئيس إردوغان أن يكون له فيها دور أساسي يساعده في ضمان الدعم الأميركي له، وهو ما يتطلب منه المزيد من الخطوات العملية والفعالة التي سيثبت من خلالها مصداقيته في التحالف مع واشنطن.
وبدورها، ستقرر واشنطن مصير المخاوف التركية، ليس فقط في سوريا وشرقها، بل في المنطقة عموماً، ويجب أن تلتقي في القاسم المشترك مع المخاوف الإسرائيلية وفق التصور الأميركي الذي يريد له إردوغان أن يساعده في البقاء في السلطة، ومهما كلّفه ذلك من التنازلات التي بدأها بالمصالحة مع ابن زايد وابن سلمان وآل صهيون، على أمل أن تكتمل الحلقة بالسيسي، وهو الآخر بانتظار الإشارة من بايدن!