بين ترامب وإيران: الحرب التي لا يخوضها العسكر

 

منذ دخوله إلى البيت الأبيض، وبالرغم من عدم استخدام الخيار العسكري المباشَر، بدأ ترامب حرباً حقيقية ضد الإيرانيين مُستخدِماً سياسة العقوبات الاقتصادية والضغوط القصوى، والهدف بحسب قوله، إعادة التفاوض على ملف إيران النووي، وأخذ تنازُلات من إيران في ملفها الصاروخي، ونفوذها في الشرق الأوسط.

في العقود الثلاثة الأخيرة، التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، تبدَّلت مفاهيم الحرب كلياً، ودخلت عوامِل إقتصادية وإعلامية ونفسية وحتى قضائية إلى ساحة الحروب التي تشنّها الدول ضد أعدائها، لهزيمتهم وإخضاعهم.

وإذا كانت الحروب قد أخذت شكل “الحروب بالوكالة” خلال الحرب البارِدة، فإن التطوّر الكبير في مفاهيم الحرب قد حصل خلال العقود الثلاثة المُنصرِمة، وأهمّها التطوّر الذي حصل بعد موجات “الربيع العربي” حيث دخلت العلاقات الدولية في ما يُسمَّى في العِلم الاستراتيجي بالجيل الخامس للحروب.

يُطلَق إسم الجيل الأول على الحروب التقليدية بين الجيوش، وتُستخدَم فيه جميع أنواع الأسلحة والذخائر ما عدا أسلحة الدمار الشامل، بينما حروب العصابات هي حروب الجيل الثاني، أما الجيل الثالث فهو حروب المناورات وهي استراتيجية طُوِّرت من قِبَل الألمان في الحرب العالمية الثانية استخُدِم فيها عنصر المُفاجأة، وكذلك الحرب وراء خطوط العدو. وما عرفناه في الشرق الأوسط خلال حرب تموز 2006 من قِتالٍ بين مجموعة صغيرة وجيش نظامي، هو نمط الجيل الرابع أي الحروب اللامُتماثِلة.

أما اليوم، فتشهد المعارك في الشرق الأوسط، خاصة في حرب ترامب ضد إيران، نوعاً جديداً من الحروب يُسمَّى “الحرب الهجينة”، وقد بدأه الأميركيون مع موجات “الربيع العربي”، وهو النمط الذي حاول توصيفه وشرحه الجنرال فاليري جيراسيموف – رئيس الأركان الحالي للقوات المُسلَّحة الروسية، في مقالٍ نُشِرَ عام 2013، في مجلة صناعة الدفاع الروسية، وأوجز العناصر الرئيسة لما بات يُعرَف – في الغرب- بمبدأ جيراسيموف، للإشارة إلى أنها القواعد التي يستخدمها الروس حالياً في حروبهم.

وصف جيراسيموف ما يقوم به الأميركيون بالحرب الشامِلة التي تتجاوز الحدود بين السلام والحرب (هي حرب دائِمة). ومن بين تلك العمليات استخدام قوات العمليات الخاصة والمُعارَضة الداخلية من أجل خَلْق جبهة عامِلة بشكلٍ دائمٍ في أنحاء إقليم الدولة العدو كله، وهو، بالفعل، ما يحاول ترامب تشجيعه داخل إيران وفي الدول التي تدور في فلكها، فكلما خرجت بعض التظاهُرات في الشوارع الإيرانية خرج كل من بومبيو وترامب لدعمها وتأييدها، ووَعْد الشعب الإيراني بالحرية.

إذاً، هي حربٌ يحاول ترامب فيها استخدام وخَلْط المدني بالعسكري، والاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي، بالإضافة إلى التكنولوجيا وحروب المعلومات والاستخبارات، واستخدام الآلة للتدمير والاغتيالات (الطائرات المُسيَّرة وهي التي استخدمها أوباما بكثافة).

في هذه الحرب، يتم تسخير الآلة العسكرية للتهديد، ولكن أدواتها الحقيقية هي الإعلام والحرب النفسية والعقوبات الاقتصادية والحِصار غير المُعلَن.

المشكلة التي تعترض الاستراتيجية التي يُطبِّقها ترامب في هذا الإطار، هي عدم قُدرته على امتلاك “الصبر الاستراتيجي”، فهو وبالرغم من اعتماده آليات غير عسكرية قادِرة على إلحاق ضَرَرٍ كبيرٍ بالخَصْمِ، مثل العقوبات الاقتصادية واستغلال التحرّكات الشعبية، إلا أن حاجته للإنجاز السريع وعدم امتلاك القُدرة على الإنتظار بعد دخوله مرحلة حاسِمة في انتخاباته الرئاسية، يُعطّل تحقيق أكبر قَدْرٍ مُمكن من النتائج.

إن الوقت المُتاح أمام ترامب ليس بالطويل، وهو سيحاول استخدام سياسة الضغوط القصوى لمحاولة جَلْب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات لكَسْبِ إنجازٍ في السياسة الخارجية يستثمره في انتخاباته القادمة.

إن عامِل الوقت هذا يلعب في صالح الإيرانيين الذين يستطيعون الصمود لمدّة سنة إضافية في معركة مصيرية صمدوا فيها سنوات ثلاث لغاية اليوم. وإلى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، قد يتبدَّل الكثير على الساحة الدولية، وقد يُطيح الأميركيون ترامب بأنفسهم.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى