بين فكي الدولة العميقة والجهاز السري… تونس الى أين؟ (عصام الراجحي)

عصام الراجحي *

تتسلل تشكيلات حركة النهضة إلى مفاصل الدولة التونسية لتستبدل دولة عميقة بدولة عميقة ثانية. كل هذا على حساب الوطن.

يوما تلو الآخر يصحو التونسيون على ضجيج صراع الديكة المنتشين بخطب زعماتهم وانتصاراتهم الوهمية.
مشهد نجح عرّابو السياسة في حبكه في إطار مسلسل الاستقطاب الثنائي، لولاهم ما كنا لنشاهد الشعب التونسي في حالة التموضع القصري بين هذا وذاك، وليته كان بين الحق والباطل وان استماتا كلاهما في وصف نفسه بالقوة الخيرة التي تعمل على تحقيق أهداف الثورة.
يرى كثير من التونسيين أن خيوط اللعبة في تونس تحركها حركتا النهضة ونداء تونس. ولكن الغالب على الظن أن الأصل في الشيء أوله، فأزرار الرموت كنترول بقيت في يد الدولة العميقة اللاعب الرئيس في تشكل النداء على الرغم من تجميله ببعض الوجوه اليسارية والحقوقية، ينافسه على دفة القيادة الجهاز السري للنهضة الذي اكتسح مفاصل الدولة من وزارات ودواوين ومستشارين وإدارات واضعا نصب عينيه دك أكثر ما يمكن من حصون العدو لا للإصلاح وإنما لتثبيت خزان احتياطي سيأتي دوره في قادم الأيام.
تونس اليوم في خطر داهم بين فكي الجهاز السري والدولة العميقة في وصف لحالة الصراع الخفي داخل الدولة غير المنظور للأفراد العاديين أو لم يسمعوا عنه. هذه الدولة العميقة تجمعها المصالح المشتركة بين أصحاب السلطة والمال والأمن تحرص على بقاء النظام القديم بكل ما فيه لأن بقائها هو بقاء لها ولمصالحها ويمتد تأثيرها وتشعبها ليصل إلى كافة أصحاب السلطة حتى أصغر موظف بمؤسسات الدولة. هذا البناء الذي تمثل البيروقراطية أساساً له يحاول أن يدير شؤون البلاد بصرف النظر عن الحزب الذي يحكم من خلال مصالح ورؤى مشتركة ومترابطة تدفع أموال طائلة من أجل الحفاظ على امتيازاتها ومكتسباتها ودائما ما كانت في الأيام الماضية وراء الانفلات الأمني وجميع الأزمات.
على الطرف النقيض جهاز عاد للتشكل في أول أيام فوز الحركة بالوزارة فقد كان للنهضة جهاز سري ينسق مباشرة مع زعيم الحركة، كان محمد شمام مشرفا على هذا الجهاز إلى جانب المنصف بن سالم وزير التعليم العالي حاليا والسيد الفرجاني مستشار الوزير الحاكم بأمره اليوم في وزارة العدل والذي خطط لانقلاب 8 نوفمبر 1987 بمعية السابق ذكرهم واطلاع كامل من القيادة.
كما يتوزع مجموعة من أفراد التنظيم داخل الوزارات كالرجل القوي محمد بن سالم وزير الفلاحة وبلقاسم الفرشيشي مستشار الجبالي والطاهر بوبحري الذي كان يتولى مهمة التنسيق داخل الجهاز العسكري الخاص بين العناصر التي بقيت في الداخل والأخرى التي لاذت بالفرار في بداية التسعينات، ويشغل الآن نفس المهمة تقريبا حيث يتولى التنسيق بين الحكومة وتنظيم الحركة ويحتل مكتبا بقصر الحكومة بالقصبة، في حين يتولى منير قلوز احد قدماء الجهاز الخاص مهمة الملحق البرلماني والمدير التنفيذي لكتلة النهضة في المجلس ويسهر على التنسيق بين المجلس التأسيسي وتنظيم الحركة بالإضافة إلى آخرين.
ولن تكون وزارة الداخلية بمنأى عن هذا الاختراق، فكل الطبقة السياسية تروج أن قدماء التنظيم هم المتحكمون في قاعة العمليات اليوم ويواجه كثير من مستشاري الوزير احتجاجات من نقابات الأمن على خلفية محاولاتهم تسييس الأمن الجمهوري وتخطيطهم لعودة شاكلة جديدة من البوليس السياسي.
قد يتفق معظم التونسيين على ضرورة اجتثاث بقايا الدولة العميقة ولكن ليس على حساب الوطن. فهذه الخطوات إن صحت ستؤدي نحو ابتلاع الدولة في رحم الجماعة وتشكيل دولة عميقة جديدة. فنحن لا نشكك في شرعية الحكومة بقدر ما ننظر بريبة لتحركات البعض ومحاولاتهم الضغط على رئيس هذه الحكومة وحبس أنفاسه وعرقلة محاولاته للإصلاح بشكل يظهر جليا في اختيار القيادات القريبة في الإدارة على نحو يضمن الولاء للحركة وشيخها ضمن إستراتيجية محكمة تتبعها لترسيخ أقدامها من المبكر تحديد معالمها في الوقت الراهن، وان كانت بعض المؤشرات تلمح إلى مساع للحفاظ على السلطة لأكبر وقت ممكن بما يعوض طول فترة الاضطهاد السياسي الذي عانوه في الماضي.

*ماجستير دراسات استراتيجية وباحث جامعي من تونس

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى