عليهم أراهن …
عليهم أراهن … قالت لي: ( لم أفهم ..!! كيف أرى طفلاً يتسول في الشارع ولا أساعده وأقدم له النقود .. ؟! )
أجبتها: مكان هذا الطفل في المدرسة .. وليس في الشارع وعندما نقدم له المال فنحن نساهم في جعله يمتهن التسول وطلب المال مجاناً .. كما أن هذه ليست مسؤولية الطفل أن يستجدي المال ليعيش إنها مسؤولية والديه فهما من أنجباه ومسؤولان
عن تأمين حياة كريمة له ..
صفنت في كلامي وقالت معك حق .. ولكن اليوم فقدت عائلة هذا الطفل بيتها وكل ما تملك نتيجة القصف والدمار ووالده لا يجد عملاً يقوم به بعد أن فقد عمله وهذا الطفل يتسول ليساعد عائلته .. فماذا نفعل في هذه الحالة ؟؟!! أليس من الإنسانية أن نساعده .. ؟؟!!
أدهشني سؤالها وأعجبني منطقها الانساني وتحليلها لواقع معقد يعجز كثيرون عن استيعابه بهذه الطريقة البسيطة .. فتاة في الثانية عشرة من عمرها مهجرة مع عائلتها .. في حصة التربية والسلوك في نادٍ صيفي تخصصي لإعادة بناء الطفل السوري
المهجر داخلياً على أسس المواطنة والقيم الانسانية واحترام الأخر .. تناقش بانسانية مفرطة .. لأختار الجواب ..
لحظات من التفكير. كان جوابي: لا نقدم له المال مجاناً .. نقدم له عملاً ولو بسيطاً كأن نشتري له علبة بسكويت ليبيعها .. ليتعلم أن المال يأتي نتيجة عمل .. وليس بلا مقابل ..
أعجبتها الفكرة على مضض .. وتابعنا حصتنا .. وأنا ما زلت معجبة بإنسانية أطفالنا التي تحاول آلة الموت الهمجية اغتيالها كل يوم ..
حادثة بسيطة أحببت أن أرويها لأنها فتحت أمامي الكثير من الحالات التي باتت واقعاً مؤلماً ومخزياً فرضته الحرب.. فالمعاناة من الحروب ليست مجرد دمار أبنية وبيوت ومنشآت .. إنها دمار شامل .. لا يعرف نتائجه ومآاسيه إلا من ينكوي بنيرانه .. لتصبح إعادة الإعمار والبناء مهمة تزداد صعوبة كلما طال أمد الحرب واستعرت نيرانها مما يكرس الأحقاد و يعقد الأمور وكيفية إيجاد حل لها .. فبتنا اليوم نريد وقف الحرب أولاً وليس حل الأزمة .. لأن الوقت يعني مزيداً من الخراب ومزيداً من العنف ومزيداً من الأحقاد .. وبالتالي مزيداً من المشاكل والأمراض المجتمعية التي تؤدي إلى تفتيت النسيج المجتمعي وتدمير المجتمع ككل .. وهذا يحتاج إلى أجيال من إعادة الإعمار ..
وأنا ما زلت أراهن على براءتهم لننقذ الوطن ..!!