متى تجدّد الدراما السوريّة شباب صفّها الأوّل؟
ارتبط حضور الممثلين في الدراما السورية بذكر «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، بعدما سطع نجم المتخرّجين منه على التلفزيون عاماً تلو الآخر. في السنوات الأخيرة، كان يتقدّم لامتحان القبول في المعهد الشهير، ما يزيد عن 600 متبارٍ ومتبارية، يتم اختيار 15 طالب منهم كحدٍّ أقصى. بعد التخرّج، يجد أولئك الممثلون أنفسهم أمام صعوبات عدّة في سوق العمل. فبالرغم من أنّ اختصاصهم هو المسرح، إلا أنّ المسرح السوري لا يتسع حتّى لذلك العدد القليل من المتخرّجين، مع بقاء معظم إنتاجه رهناً لمؤسسة حكومية وحيدة، وهي مديرية المسارح والموسيقى (المسرح القومي). ذلك ما يجعل الإنتاج المسرحي في سوريا قليلاً جداً، وتسيطر عليه عقلية واحدة، من دون منافسة تساهم في زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة الفرص أمام المتخرّجين الجدد. كذلك الأمر بالنسبة للإنتاج السينمائي، المحصور بالمؤسسة العامّة للسينما، مع غياب قطاع الإنتاج الخاص، لأسباب تحتاج إلى مقال منفصل.
خلل في صناعة النجوم؟
كلّ ما سبق ذكره جعل من الدراما التلفزيونية النافذة الوحيدة ربما لإطلالة هؤلاء المحترفين. هكذا أصبح المعهد، ومنذ دفعته الأولى العام 1981، رافداً أساسيّاً للدراما السورية. ومع ازدياد الإنتاج التلفزيوني، ازدادت الحاجة في سوق العمل، ليحقّق متخرّجون كثر من المعهد، حضوراً لافتاً في المسلسلات السورية، ومنهم من أصبحوا نجوماً ذاع صيتهم ليس في سوريا فقط، بل وفي الوطن العربي أيضاً.
وبالرغم من تميّزها، إلا أنّ الدراما التلفزيونية السوريّة وقعت ولسنوات في مطب التكرار، خصوصاً في وجوه الممثلّين الذين يُعطَون الأدوار الأولى. غالباً ما توكل البطولة لنجوم الصف الأوّل الذين بقيت أسماؤهم ذاتها لسنوات، حتى بات المشاهد يجهد أحياناً للتمييز بين عمل وآخر. يرتبط ذلك بعملية العرض والطلب في سوق العمل، وبغياب صناعة نجوم جدد، ومحاولة طرح أسمائهم إلى جانب الجيل السابق.
يقول الممثل جمال سليمان: «كان الباب مفتوحاً دوماً للوجوه الشابة من متخرّجي المعهد المسرحي، ويجب ألّا ننسى أنّنا كلنّا كنّا يوماً وجوهاً شابة جديدة. وبالطبع، لم نكن لنسمع بالكثير من متخرّجي المعهد، لولا النهضة في الصناعة التلفزيونية، فمن دون وجود طلب في السوق، لا توجد فرص لأحد بصرف النظر عن الجيل، مع الأخذ بالاعتبار أنَّ الفرص لا ترتبط بالمواهب فقط بل بحالة السوق، وتتأثر أيضاً بالظروف السياسيّة والاقتصادية غير الثابتة».
من جهتها، تقول المخرجة إيناس حقّي: «لم تغب الوجوه الجديدة والشابة عن الدراما السورية يوماً، خصوصاً مع ما تفرضه أدوار الأبناء والأحفاد من ضرورات عمرية. ولكن ظلّ معظم هؤلاء محصورين بالأدوار الثانية، ولم يصلوا إلى نجومية الصف الأول بسبب إصرار القنوات التلفزيونية على مجموعة من النجوم». وتشير إلى أنّ «بعض العوامل قد تمنع شاباً موهوباً من التحوّل إلى نجم، ولكن لا يمكن أن يتربّع ممثل على عرش النجومية من دون أن يستحقّ مكانته تلك. صناعة النجم تحتاج لآليات غير مرتبطة بالمخرج وشركة الإنتاج فقط، بل تحتاج إلى ضخ إعلامي وتسويقي موازٍ، ومع ذلك يشق بعض الممثلين طريقهم بشكل لافت وببطء نحو النجوميّة، ما يجعلها أبقى من نجوميّة تصنع على عجل كفقاعة، يمكن أن تختفي بسرعة».
مشكلة «كاستنغ»
تخرّج الممثل وسام تلحوق من «المعهد العالي للفنون المسرحية» في العام 2010، وتميّز خلال سنوات دراسته بأدوار مسرحيّة عدّة، لكنّه لم يتمكن حتّى اليوم، ككثيرين من أبناء جيله، من إيجاد فرصتهم في الدراما التلفزيونية. يعزو تلحوق ذلك إلى أسباب عدة، ويقول: «غياب تجارب الأداء (الكاستنغ) الاحترافيّة حرم ممثلين جدداً من تقديم أنفسهم للوسط الفني السوري بطريقة صحية وصحيحة. كما أنّ تقصير إدارة المعهد المسرحي أحياناً في تقديم طلابه للعاملين في حقل الدراما عن طريق إرسال دعوات لهم لحضور مشاريع التخرّج، ساهم بحرمان دفعات عدة من تقديم نفسها بشكل لائق».
لكنّ رياح التغيير لا بدّ أن تعصف بالدراما السورية، وقد بدا ذلك واضحاً في السنتين الماضيتين على الأقلّ، مع ازدياد المساحة الممنوحة للأسماء الشابة. بعض الممثلين الجدد ظهروا بأداء متميّز في رمضان 2015، وأضافوا لمسة تجديد على مستوى الأداء، لم تغب خلال لعبهم لأدوار البطولة.
ففي مسلسل «العرّاب ـ نادي الشرق» للمخرج حاتم علي أطلّت علينا الممثلة الشابة جفرا يونس بدور جيدا ابنة أبو عليا، لتؤدي بعفويّة وبساطة، معطية الدور حقّه من دون زيادة أو نقصان. كما حضر الوجه الجديد ريم نصر الدين بدور لونا الابنة التي تعاني من تأخّر عقلي، من دون أن تقول كلمة واحدة طوال الحلقات الثلاثين، إلا أنّها استطاعت، ومن دون مبالغة، أن تبتعد عن النماذج المطروقة للأدوار المماثلة في بعض الأعمال التلفزيونيّة سابقاً.
كما منح المخرج هيثم حقّي في مسلسله «وجوه وأماكن» متخرّجين جدداً فرصة البطولة فبرعوا في لعب أدوارهم ومنهم أحمد كيكي بدور سامي، وولاء عزام بدور سوزي في لوحة «وقت مستقطع»، وريمي سرميني بدور سامر في لوحة «مدينة الذهب». وخضع سرميني لتجربة أداء دقيقة، بسبب خصوصية الدور بدءاً من العمر والتكوين الجسدي، وانتهاءً بصعوبة الدور وحساسيته الدرامية وحاجته لممثل محترف وموهوب. كما أتقن مصطفى القرّ أداء شخصية موفق في اللوحة نفسها، فكان لكل إيماءة حساسيتها وصدقها ملامساً حتّى في صمته روح المشاهد.
الموهوبون و «الدخلاء»
أسماء كثيرة من متخرّجي المعهد المسرحي الجدد أبدعوا في رمضان 2015، وبرزوا أنداداً لنجوم أقدم منهم وأكثر خبرة. تحتاج الدراما دوماً لهذا التجديد ويحتاج هؤلاء الشباب لفرص كي يحاولوا إثبات قدراتهم ومواهبهم في أعمال مميزة فنياً. يقول جمال سليمان: «الحضور الشبابي إيجابي في الدراما ولكن يبقى السؤال هل تستثمر المواهب الشابة في أعمال ذات قيمة؟ فالأعمال ذات القيمة هي فرص نوعيّة تعطي الجيل فرصة التعبير عن موهبته، أما الأعمال الركيكة فهي فرص عمل لا أكثر».
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ ازدياد الفرص للوجوه الجديدة والشابة بات سيفاً ذا حدين، فإلى جانب الممثلين المحترفين والموهوبين، تسلّل إلى المهنة من لا علاقة لهم بها، لا من قريب ولا من بعيد، فساهموا بتكريس الرداءة والابتذال في بعض الأعمال. يقول الممثل والكاتب إياد أبو الشامات: «في بعض الأحيان، ترافقت زيادة الفرص للممثلين الجدد كمّاً، مع تدني في النوعيّة الفنيّة، فنشأت شريحة كاملة من المتسلّقين على المهنة، ليس فقط في مجال التمثيل وإنّما في مجال الإخراج والكتابة أيضاً، ومن مصلحة الوجوه الشابة الموهوبة عدم الظهور في أعمال رديئة كهذه». ويضيف: «من اللافت هذا العام ظهور ممثلين جدد موهوبين بأدوار البطولة تحت إدارة مخرجين مخضرمين ومتميّزين وأنا مع تكريس هذه الحالات».
ويبقى السؤال هنا: هل سيُلفت حضور الممثلين الموهوبين الجدد، نظر القنوات التلفزيونيّة، ونظر المنتجين والمخرجين في السنوات المقبلة؟ وهل ستجد المواهب الشابة التي ظهرت هذا العام مَن يصنع منها نجوماً، ويروّج لها في سوق العمل؟ ومتى يكرّس «الكاستنغ» الاحترافي كجزء أساسي من أيّ عمل درامي؟