تحدثي أيتها الذاكرة
الدهر أتعب المفاصل ، سرق قميص الأنوثة ، أرهق الجسم ، أوهن العظم، الأيدي ترتجف الخطوات ثقيلة جداً ، ما أصعب نقل الأقدام ! تخاطب حفيدها قائلة: تعال أتوكأ عليك ريثما أصل إلى بيت عمك ، هات كتفك ، ما أصعب الحركة، لم أكن كذلك عندما كنت في سنّك ، آه ما أجمل تلك الأيام ، كم ركضت في هذا الطريق ، كنت رشيقة أسير دون أن أشعر بالتعب ، كنت أحصد القمح وأدرسه وأسقي الأرض ، كنت أقوم بالكثير من الأعمال المتعبة .
الحفيد : وهل كنت صغيرة مثلي يا جدة ؟!ابتسمت الجدة وهي تقول في قرارة نفسها يا لبراءة الطفولة! نعم يا صغيري وهل تحسبني ولدتُ كبيرة هكذا؟ لقد كنت صغيرة مثلك، وكبرتُ عاماً بعد عام، أحببتُ جدك الذي لا تعرفه، كان عرسنا جميلاً، اجتمع الأهل والأصدقاء يرقصون ويغنّون، ولكن ذهبت تلك القوة التي كنت أتمتع بها في صباي.
الحفيد : ومتى كنتِ قوية يا جدة وأنا لا أعرفك إلا هكذا؟ ضحكتْ الجدة وهي تقول : معك حق ، فأنت لا تعرفني حين كنت رشيقة ، فقد أنجبتُ من الأبناء تسعة هم أبوك وأعمامك وعماتك ، قمتُ بتربيتهم ، أقدّم لهم الطعام ، أصنعُ لهم الخبز ،وأغسل لهم الثياب بيديّ المرتجفتين هاتين ، فلم تكن هناك غسالة كهربائية، كم عملت وتعبت في حياتي، الحياة مرّت كالحلم كمياه النهر المسرعة ولن تعود أبداً ، لزمن لا يعود إلى الوراء يا صغيري ، اليوم أنت صغير وغداً رجل ، وبعده تصبح عجوزاً مثلي ، وتحتاج إلى من يساعدك! كل شيء في جسدي أصبح ضعيفاً ، ليس حركتي فقط فنظري وسمعي وكل حواسي قد ضعفت ، وانتهت صلاحية أسناني ، فكل شيء أحس به بلا طعم ولا لون ، حتى الأشياء الجميلة لم تعد تسرني ، إنها رحلة طويلة من عمري أتعبت جسدي .
يا صغيري : اطرق الباب لقد وصلنا إلى بيت عمّك !