تحريف إيران لخطاب مرسي يشعل الفتنة بين السنة والشيعة (صبري عبد الحفيظ حسنين)
صبري عبد الحفيظ حسنين
أثار تحريف التليفزيون الإيراني الترجمة الفارسية لخطاب الدكتور محمد مرسي رئيس مصر أثناء قمة عدم الإنحياز العديد من ردود الفعل الإحتجاجية في أوساط المصريين والسوريين، والحكومة البحرينية، واعتبر نشطاء سياسيون أن الواقعة تمثل فضيحة إعلامية وسياسية لإيران، وبينما إحتجت البحرين رسمياً، إلتزمت مصر الصمت.
________________________________________
رغم الحفاوة التي أستقبل بها الرئيس المصري محمد مرسي في إيران، لاسيما أنه أول رئيس مصري يزور إيران بعد قطيعة إستمرت لأكثر من ثلاثين عاماً، إلا أن خطابه الذي ألقاه في قمة عدم الإنحياز تعرّض للتحريف بما يناسب وجهة النظر السياسية والمذهبية لإيران الدولة التي تعتنق المذهب الشيعي.
بدأ التحريف منذ العبارة الأولى للمرسي التي إستهل بها خطابه، حيث إفتتح بالصلاة والسلام على الرسول، والتراضي عن "صحبه سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"، إلا أن التليفزيون تجاهل التراضي عن الصحابة، لأنها مخالفة للعقيدة الشيعية. ثم تعرّض الخطاب للتحريف ليكون متوائماً مع السياسة الإيرانية في المنطقة.
وعندما قال مرسي "الشعبان الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والعدالة والكرامة"، نقلها التليفزيون الرسمي الإيراني "إن شعبي فلسطين والبحرين يناضلان من أجل الحرية"، لاسيما أن إيران تدعم النظام السوري بقيادة بشار الأسد الذي يعتنق الفكر الشيعي، وتعتبر أن ما يحدث في سوريا مؤامرة دولية، في حين ترى المظاهرات في البحرين ثورة شعبية، ضد نظام الحكم السني.
هذا ما يفسر إستبدال "البحرين" بدلاً من "سوريا". وعندما أعلن مرسي تضامنه مع السوريين، فقال: "إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد الظلم والقمع، ونظام فقد شرعيته"، لكن التليفزيون الإيراني نقلها على النحو الآتي: "نحن نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرة الموجهة ضد هذا البلد"، ولما دعا مرسي المعارضة السورية إلى الإتحاد، وقال إن "وحدة المعارضة السورية ضرورة"، جرى ترجمتها للفارسية :"نأمل ببقاء النظام السوري المتمتع بقاعدة شعبية".
لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث إستبدل التلفزيون الإيراني مصطلح الربيع العربي بـ"الصحوة الإسلامية"، ووصل التحريف عن إنتقادات مرسي لـ"فيتو" الذي تستخدمه روسيا والصين لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يدين نظام بشار الأسد، وجاء في الخطاب الأصلي: إن "الفيتو شلّ يد مجلس الأمن عن حل الأزمة السورية"، لكن العبارة نقلت للفارسية على النحو الآتي: "الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حل أزمات التحولات الشعبية".
بالقدر نفسه الذي لاقي به خطاب مرسي ترحيباً، لاقى ردود فعل إحتجاجية في الأوساط الشعبية والسياسية في مصر، كما لاقى إحتجاجات من قبل رموز المعارضة السورية في القاهرة.
وقال المعارض السوري معتز شقلب لـ"إيلاف" إن خطاب الرئيس محمد مرسي في طهران عكس روح الإصرار والعزيمة لدى الرئيس مرسي في إستعادة مصر لدورها الريادي، مشيراً إلى أن تحريف خطابه في ما يخص إنتقاداته لنظام بشار الأسد ودعم ثورة الشعب السوري، وإستبدال اسم سوريا بالبحرين، يؤكد أن السياسية الخارجية الإيرانية تحكمها المذهبية الدينية، ففي الوقت الذي تناصر نظام بشار الأسد القمعي الذي يقتل السوريين بالطائرات والدبابات والأسلحة المحرمة دولياً، وترفض الإعتراف بثورته، تدعم مظاهرات الشيعة في البحرين.
مشيراً إلى أن تحريف خطاب مرسي يؤكد أن إيران ماضية في دعمها اللامحدود لبشار الأسد للنهاية. ولفت إلى أن ما حدث يمثل فضيحة إعلامية وسياسية للنظام الإيراني، ومحاولة يائسة من النظام الإيراني لعزل الشعب الإيراني عن مجريات الأمور وحقيقتها.
معتبراً أن الخطاب بمثابة رسالة سياسية سنية من مصر إلى إيران، مفادها أن مصر تتزعم الدول السنية، في مواجهة إيران التي تتزعم الدول الشيعية، وأن مصر لن تسمح لإيران بفرض نفوذها على المنطقة العربية، ولن تسمح بنشر المذهب الشيعي في مصر أو أي من دول المنطقة، وأن التقارب بين الدولتين سيكون تقارباً سياسياً.
وحسب وجهة نظر الدكتور محمد عبد السلام أستاذ علم الإجتماع السياسي جامعة القاهرة فإن خطاب مرسي ورد الفعل الإيراني الرسمي بالتحريف يؤكد أن هناك أزمة طائفية أو مذهبية في العالم الإسلامي بين المعسكرين الشيعي والسني، مشيراً إلى أن إستهلال مرسي خطابه بالصلاة والسلام على الرسول والتراضي عن أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان، رغم أن المذهب الشيعي يعتبر سب أبو بكر وعمر فريضة، له دلالة على أن مصر سيظل سنية ولن تسمح بالتشيع، لاسيما في ظل نشاط حملات التشيع في مصر بعد الثورة.
وأضاف عبد السلام لـ"إيلاف" أن الخطاب يحمل رسالة تطمينية لدول الخليج العربي، لاسيما إذا إقترن التراضي بإنتقادات حادة لنظام بشار الأسد ووصفه لـ"الظالم وفاقد الشرعية"، إضافة إلى تجاهل المظاهرات في البحرين، التي يراها البعض ثورة شعبية، ويراها آخرون مظاهرات مدعومة من إيران ضد نظام الحكم السني، لاسيما أن غالبية الشيعة في البحرين من المتجنسين ذوي الجذور الإيرانية.
ولفت عبد السلام إلى أن قمة عدم الإنحياز وخطاب مرسي عمقت الخلافات بين إيران ودول المنطقة وزدت من عزلتها، بخلاف ما كانت ترنو إليه طهران، منوهاً بأنها كانت تتطلع إلى التواصل مع مصر على حساب في مواجهة الخليج وإسرائيل ومواجهة الضغوط الغربية وإقامة تحالف بديل للتحالف السوري الذي أوشك على الإنهيار، لكنها فوجئت بمرسي يؤكد أن التحالف إذا حدث لن يكون على الأسس التي تريدها إيران، وإنما على الأسس التي تريدها مصر وترى فيها مصلحتها ومصلحة دول الخليج، لاسيما أن مصر لن تستبدل التحالف مع الخليج بالتحالف مع إيران.
وأشار عبد السلام إلى أن تحريف إيران الخطاب يؤكد أن هناك إصرارا على أن تدفن طهران رأسها في الرمال، وترفض الإستماع إلى صوت العقل والتخلي عن مشروعها الديني والسياسي، معتبراً أن تحريف الخطاب يستوجب إحتجاجا مصريا رسميا من قبل وزارة الخارجية، ويستوجب الإعتذار من جانب طهران. غير أن عبد السلام لا يتوقع أن تقدم مصر على الإحتجاج دبلوماسياً، لاسيما في ظل محاولتها فتح صفحة جديدة في العلاقات المتجمدة بين البلدين منذ العام 1979.
موقع إيلاف الإلكتروني