تدفق نسوي لكتابة القصة في سورية!
طرطوس ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة:
انكفأت الأنشطة الثقافية في سورية خلال الحرب إلى درجة كبيرة، لكن الكتابة كانت تنتشر بشكل ملفت بين أعداد جديدة من الكتاب يتوالدون وكانت تصل أخبارهم عبر أجهزة التواصل الاجتماعي، وخاصة صفحات الفيس بوك.
وعمليا لم يكن قد أقيم مهرجان أدبي كبير في سورية إلا نادرا طوال السنوات الست الماضية، مما دفع كتاب القصة إلى الإعلان أنه آن الأوان للعودة إلى الحياة الثقافية ولو بتظاهرة يمكن تسميتها بالمغامرة، ودون تردد تقرر أن يقام هذا النشاط المهم في طرطوس.
كانت هواجس المشرفين على التظاهرة واضحة من أن ينكفئ كثيرون عن المشاركة، وقد غادر أقل من عشرة كتاب قصة دمشق إلى طرطوس ترافقهم هذه الهواجس، حيث اتفق أن يكون اللقاء هناك، دون دعوة مفتوحة للجمهور بل كانت الدعوة تهدف إلى تفاعل الكتاب فقط فيما بينهم.
لم ترافق هؤلاء الكتاب ولا كاتبة واحدة من دمشق . إلا أن طرطوس حملت أكثر من مفاجأة ، فقد زال التخوف الأول مع تدفق الكتاب بحماسة، ولا أحد يعرف لماذا هذه الحماسة في الانصات إلى عشرات القصص، وقال أحد الصحفيين :
ــ هناك جوع للقصةّ سمعنا نحو عشرين قصة قصيرة ، أي كأننا قرأنا كتابا من القصص!
وفوجئ الكتاب القادمون من دمشق إلى العدد الكبير من الكاتبات اللواتي تدفقن على المدينة ، وقد بلغ عددهن نحو نصف مجموع من حضر!
لا يمكن إلا الوقوف باندهاش أمام هذا النوع من التظاهرات الأدبية التي أقيمت في يوم واحد مكثف النشاطات، فقد بدأ أول كاتب يتلو قصته في الساعة العاشرة إلا 5 دقائق صباحا، وما أن حلت الساعة الواحدة ظهرا حتى كان نحو عشرين كاتبا وكاتبة قد قدموا قصصا متفاوتة الحجوم وصل الوقت الذي احتاجته إحدى القصص إلى دقيقة ونصف، وزاد وقت قصة أخرى عن 12 دقيقة، وتراوحت أنواع النصوص القصصية بين القصة الطويلة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا..
كان بين المشاركين كاتبات شابات كثيرات وكان هناك كتاب تجاوزوا الخمسين سنة من العمر، لكن القصص انشغلت بالحرب والحياة والاحباط والخيانة، واضطر المشرف على المهرجان الكاتب رياض طبرة إلى تأنيب كاتب تعرض بالاساءة للعرب في قصته، وكان آخرون يبحثون عن الصورة الأولى الطيبة في حياة السوريين، أما النصوص التي قرئت من كاتبات شابات فكانت الأكثر حيوية والأكثر تدفقا والأكثر حنانا!
عندما تستعرض الأسماء تنسى قصصا مرت مرور الكرام ، وعندما تُفنّد القصص تنسى الكتاب الذين قرأوها، فهناك قصص لكتاب لم نكن نعرفهم ترسم أفقا في المشهد القصصي السوري، الكاتبات الجميلات أنشأن مكانة لهن على منبر الالقاء، بلسم محمد، نهلة يونس، فاطمة صالح، فائزة داود، ميرفت علي، نجاح ابراهيم، امية العبيد، كاتبات من مختلف الأجيال، ومن مختلف المناطق السورية ، كتبن عن الحرب وعن الشهداء وعن الحياة وهي تنبض من جديد، ولم نكن نسمع عن بعضهن من قبل.
ومن الكتاب الشباب والكهول : الدكتور محمد الحاج صالح، رياض طبرة، أيمن الحسن، محمد الحفري، حسين الرفاعي، منصور حاتم، داود ابو شقرا، يوسف اﻻبطح، عوض سعود عوض، علي ديبة، يونس يونس، وكتبوا نصوصا عن بيئات مختلفة لكن الحرب تركت أثرا كبيرا فيها.
أسس هذا النشاط القصصي المتدفق لحماسة كبيرة لتجديد النشاط الثقافي في سورية، والانتقال من مكان إلى آخر لتقديم الكتابات الجديدة، والتعرف على الكتاب والكاتبات من الأجيال الشابة، فهل تهيئ سورية نفسها لمرحلة مابعد الحرب باستعادة قصص الحرب والمأساة كي لاتتكرر أم أن الحرب ستقدم كتّابا يستعيد أكثرهم لعنة الحرب نفسها ! ..