تراجيديات مضحكةالتاريخ يتمادى في السخرية من كل شيء
حالتنا ، نحن السوريين، صعبة! فتصنيف أنواع الضحايا مأساوي بامتياز، كما في التراجيديات الكبرى: “هناك ضحايا للاستبداد. وهناك ضحايا للتحرّر من الاستبداد”. أما القسم الثانــي من التراجيديا فهو” تحرير سورية انطلاقاً من منطقة سورية محتلةـ أي تحرير دمشق من انطاكية (لواء اسكندرون) وما يعنيه ذلك من رمزية فادحة!
والتراجيديا أيضاً أن يكون هناك ضرورة لإعادة تعريف “الوطنية السورية” بأن نقول هناك وطنان: الأول رسمي تقوم السلطة بحمايته من مواطني الوطن الشعبي ( الثاني) وهي حماية نراها، بأم العين كم هي مكلفة، وتقود إلى تراجيديا أخرى: السلطة تحمي نفسها “بأي ثمن” والمعارضة تريد إسقاط السلطة…”بأي ثمن”! وبالمناسبة لا ننسـى
(طبعاً) أن التراجيديا تنطوي، بسبب مفارقاتها ومفاجآتها، على كوميديا. فيحدث دائماً تطبيق فظ لهذه السخرية: “تم القبض على القتيل وفرّ القاتل
أما التراجيديا، في ذروتها المحتملة القادمة، فهي استمرار الندب ـ وعلى الطريقة القروية شق الصدور والابتهالات إلى الله بالمساعدة ـ ذلك لأن مشهد المدن المدمرة ، وارتفـاع العـدد اليومي للضحايا، لم يقنـع الجيوش الغربية بالتدخل … هذا من جهة. أما من جهـة أخرى، فالمعارضة لم تقتنع، بعد، بان النظام المطمئن إلى خططه، وخطط أعدائه… لن يغيّـر مـن جملتـه المدفعيـة : ” طلقة كلاشن بقذيفة مدفع!”. وبتمام التفاؤل بالنصر، فـي الطرفين يصبح واضحاً أن على السياسة، بكل عناصرها المعتدلة والمساومة، أن تتنحى جانباً: هذا يقول “نحن قادمون”. وذاك يقول “نحن صامدون”. هذا “يحرر” وذاك “يستعيد”. والمنشار في هذه الحالة هو البطل… يدمرون الأحياء مرتين وينهبونها مرتين… وقــد يتركون للضباع “الداشرة” بقايا اللحم، فيكون هناك… مرة ثالثة!
السياسة؟! السياسة هي الحل؟
لا أعتقد أن العرب، خلال نصف قرن، مارسوا السياسة، علماً أنهم يتبجحون بمهاراتهم السياسية، لأنهم ينظرون إليها بوصفها شطارة التاجر، وحذاقة المقاول، وهي مؤلفة من التملق للأقوياء، والتنمر على الضعفاء، و…”الصدق فيها زلة لسان”.
ومن الطرائف أن حاكماً قال له مستشاره : سيدي، هناك كتاب هام اسمه “الأمير” لميكيافيللي. فقال: اقرأ لي أهم ما فيه. فقرأ له بضعة أسطر مثل” الغاية تبرر الواسطة” و”خير لك أن يكرهوك من أن يحبّوك” … فأسكته الحاكم قائلاً: سبقناه!
ونحن الآن (في سورية) في منطقة، ليست خارج السياسة فقط، بل في “منفى العقل” الاختياري. إذ لا معنى للاستمرار، في القتل والقتال، إذا كان هناك حلّ، سـوف تصـل إليه الأطراف الدولية والاقليمية ومقاتلو المدن المدمرة!
هذه هي تراجيديا الحروب. أو بعضها. ومن المعروف أن شبيبة هتلر دافعت عن برلين بمليون قتيل ( دون سن ال16 ) وهي ساقطة عسكرياً… ودفع أيضاً السوفيات مليـــون قتيل ونيف ، وهي محررة عسكرياً! ثم جلس المنتصرون في “بوتسدام” ليقتسموا الجثة…أوروبا، وليقسّموها أيضاً!
كانت الجلسة مؤلفة من ثلاثة زعماء، بمعاطف مضحكة، يدخنون حرائق صغيرة مـن الغلايين…فيما إلى جوارهم، داخل برلين، كانت الجثث تستحيل إلى رائحة ما زالت تزكم أنف العالم! ثلاثة؟! ثلاثة فقط…
هذه كوميديا أيضا … لزخرفة مشهد القوة، وتثبيت وتدشين أسلوب معتمد للانتصارات اللاحقة بالوسائل العسكرية.
وفي حالتنا…. ليس لدينا الكثير من البشر، ولا النفط، ولا مشروع ” مارشال” لإعادة بناء المدن والحياة. فلماذا لا يكون لدينا ثلاثة يدخنون وهم يناقشون بنداً واحداً: ” نتفق على أن… نتفق!”ً