تركيا تصرّ على إدارة «المنطقة الآمنة»: مشاورات «اتفاقية أضنة» مستمرّة
لم تُخفِ الولايات المتحدة الأميركية، في موازاة إعلانها قرار إبقاء مئات من عسكرييها في سوريا، تعويلها على مشاركة حلفائها في «قوة مشتركة» لإنفاذ مشروع «المنطقة الآمنة» على الحدود السورية ـــ التركية. وعلى خلاف تركيا التي أكدت أنها لا ترى من إدارتها لتلك المنطقة بديلاً، لم تخرج عن الدول الأوروبية أي مواقف واضحة عقب إشهار التوجه الأميركي الأخير، بعدما كانت مصمّمة على اتباع خطى واشنطن في الانسحاب.
واللافت في الطرح الأميركي المستجدّ مرونته لجهة مجريات الميدان في الشرق السوري؛ فإعلان «النصر» المرتقب على «داعش» لم يأت وفق الجدول الزمني المتوقع، ولا يزال مئات (على الأقل) من عناصر التنظيم متحصّنين داخل بلدة الباغوز وعلى استعداد لخوض جولة قتال جديدة. وسيتيح العدول عن فكرة «الانسحاب الكامل» وقتاً إضافياً لإدارة هذا الملف، إلى جانب العمل على القضايا العالقة كما مصير عناصر «داعش» المستسلمين والمحتجزين. وهو مثلاً ما يقوم به الطرف الأميركي مع السلطات العراقية التي تسلمت حتى أمس نحو 280 عراقياً من عناصر «داعش» السابقين، من أصل أكثر من 500 عراقي تحتجزهم «قوات سوريا الديموقراطية» حالياً، وفق ما أوضحت «قيادة العمليات المشتركة» العراقية.
وفي انتظار مخرجات التفاوض الأميركي ـــ الأوروبي المستمرّ، حول طبيعة وحجم الالتزام العسكري المنتظر من أعضاء «التحالف الدولي» و«حلف شمال الأطلسي» لإنشاء «قوة المراقبة المشتركة»، بدت التصريحات التركية هادئة بالنظر إلى حساسية ما تطرحه واشنطن عن «منطقة آمنة» مُدارة من قبل «التحالف». وهو هدوء يتساوق مع حرص واشنطن على إظهار التنسيق العالي المستوى مع أنقرة، قبيل وخلال إشهار خطتها الأخيرة. وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدوره، «إيجابية» المحادثات مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، في موازاة إشارته إلى أن «المنطقة الآمنة» يجب أن تكون تحت إشراف بلاده. وقال أردوغان: «نتمنى إنشاء المنطقة الآمنة بالتعاون مع حلفائنا، لكن في حال لم يتم توفير مثل هذه التسهيلات لنا، فإننا مصممون على إقامتها بإمكاناتنا الخاصة مهما كانت الظروف». وكان لافتاً ما صدر عن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عقب محادثاته مع كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين، ومفاده أن واشنطن ملتزمة «عدم تأخير خريطة طريق منبج، واستكمالها في أقرب وقت». وجاء ذلك بعد ساعات على تهرّب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، شون روبرتسون، من الإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت منبج إحدى النقاط التي ستبقي فيها الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً، وهو ما أكدته لاحقاً صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مصادر لم تسمّها.
الحديث التركي ترافق مع لهجة إيجابية حيال العمل وفق «اتفاقية أضنة»، وهو ما تدفع روسيا نحوه، إذ أكد أردوغان أن «هذه الاتفاقية تتيح إمكانيات مهمة في ملاحقة الإرهابيين… ولم يُقْدم أي طرف من طرفي الاتفاقية على إلغائها من جانب واحد». وتقاطع ذلك مع تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أشار، في معرض حديثه عن الاتفاقية، إلى أن العمل جارٍ على «نسخة نهائية من المنطقة العازلة بين العسكريين»، من دون أن يحدد ماهية المنطقة التي يقصدها وحدودها المفترضة، على أن «تراعي موقف دمشق وتؤمّن بأكبر قدر ممكن مصالح أنقرة». وأشار، في حديث إلى شبكتَي التلفزيون الصينية والفيتنامية، إلى أن نشر الشرطة العسكرية الروسية في تلك «المنطقة العازلة» هو خيار ممكن. ونفى لافروف وجود «خطط لعملية عسكرية في سوريا، تشترك فيها روسيا وإيران وتركيا»، لافتاً إلى أن قوات بلاده وإيران موجودتان بدعوة رسمية من الحكومة السورية، فيما تعارض الأخيرة «وجود تركيا العسكري» على أراضيها.
وترافق موقف الوزير الروسي مع حديث مصادر محلية في ريف حماة الشمالي عن أن «نقاط المراقبة» التركية تستعد لتسيير دوريات على طول خط التماس بين مناطق سيطرة الجيش السوري والفصائل المسلحة، في خطوة تهدف إلى «وقف التصعيد» الأخير هناك. وجاء موقف لافروف بعدما أشار نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة مع صحيفة سويسرية، إلى أن «هناك توجهاً نحو خطوة عسكرية في إدلب، رغم عدم رغبتنا فيها»، مضيفاً أن «جهوداً كثيرة بُذلت لتجنب ذلك، ولكن المقاربات الأخرى فشلت وباتت مناطق أكبر تحت سيطرة جبهة النصرة الإرهابية».
صحيفة الأخبار اللبنانية