تصعيد تحت السيطرة.. إلام تسعى “إسرائيل”؟
تصعيد تحت السيطرة.. إلام تسعى “إسرائيل”؟ تشهد مختلف الجبهات مستوى أعلى من التصعيد والعدوان الإسرائيليَّين، بأشكال متعددة. وعلى الرغم من رغبة الإدارة الأميركية في خفض مستوى التصعيد في المنطقة عموماً، وفي الفترة المقبلة على وجه التحديد، بسبب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمنطقة “الشرق الأوسط”، في منتصف شهر تموز/ يوليو المقبل، فإنّ وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية ازدادت، كمّاً ونوعاً، الأمر الذي يستدعي تفسير سلوك سياسة العدو تجاه الجبهات في الفترة الأخيرة.
يدلّ السلوك الإسرائيلي في مختلف الجبهات على زيادة في وتيرة العدوان، كما يتضح في المعطيات التالية:
– الجبهة الإيرانية:
شهدت الجمهورية الإسلامية في إيران عدة عمليات وحوادث، يُعتقد أن جهاز الموساد الإسرائيلي يقف خلفها، أو نفّذ عدداً منها، أبرزها، قبل نحو ثلاثة أسابيع، بحيث اغتيل حسن صياد خدايي، العقيد في الحرس الثوري الإيراني، أمام منزله في طهران. وأشارت مصادر إعلامية إلى أن “إسرائيل” أبلغت إلى الولايات المتحدة مسؤوليتَها عن عملية الاغتيال. وخلال الأسبوعين الأخيرين، وقعت عدة حوادث، منها انفجار في وحدة أبحاث تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، أدى إلى مصرع مهندس إيراني وإصابة آخرين. وأُصيب العشرات في انفجار مصنع للكيميائيات جنوبي طهران، بحسب إعلان التلفزيون الإيراني. كما تُوُفِّي العالمان الإيرانيان أيوب انتظاري وكامران آقا ملائي، في حادثَي تسمُّم غامضين.
أشار رئيس حكومة العدو، نفتالي بينيت، في تصريحات إعلامية، إلى أن سياسة حكومته شهدت تحوّلاً استراتيجياً تجاه إيران، قائلاً: “نحن نتحرك ضد الرأس وليس فقط الأذرع، كما كنا نفعل في الأعوام الماضية”.
– الجبهة السورية:
يُعَدّ قيام طائرات العدو الإسرائيلي بقصف مطار دمشق الدولي، تطوراً في الاعتداءات المستمرة على سوريا، وهو الأول من نوعه. وادَّعت مصادر العدو أن المطار استُخدم في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إيرانية إلى سوريا، بينما أشارت مصادر أخرى للعدو إلى أن قصف المطار يهدف إلى إرسال رسالة تهديد إلى الرئيس السوري بشار الأسد، تحذّره من استمرار تحالفه مع إيران. وأكدت المصادر نفسها أن العدو سيرفع درجة عدوانه على سوريا في المرحلة المقبلة.
– الجبهة اللبنانية:
أعلن العدو الإسرائيلي عزمه التنقيب عن الغاز في حقل كاريش في البحر المتوسط، وعدّت حكومة العدو أن منصة كاريش هي أحد الأصول الاستراتيجية لـ”دولة إسرائيل”.
وكان العدو أرسل سفينة يونانية لاستخراج الغاز وتخزينه إلى حقل “كاريش”، على بُعد نحو 80 كيلومتراً غربي مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي دفع السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، إلى إطلاق تهديدات صارمة للعدو، مؤكداً أن “المقاومة” لن تقف مكتوفة اليدين، وأن كل الإجراءات الإسرائيلية لن تستطيع حماية المنصة العائمة لاستخراج النفط من حقل كاريش، معتبراً أن الشركة اليونانية، التي تمتلك السفينة، شريكة في الاعتداء على لبنان الذي يحدث الآن.
– الجبهة الفلسطينية:
شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة حدثين بارزين خلال الساعات الـ 48 الماضية. الأول هو قيام قوات خاصة، تابعة لجيش العدو الإسرائيلي، باغتيال ثلاثة شهداء، في منطقة جنين المحتلة. والثاني قصف طائرات العدو أهدافاً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد تمكّن المقاومة الفلسطينية من السيطرة على منطاد عسكري إسرائيلي، يُستخدَم في أغراض التجسس، ويحتوي على كاميرات وأجهزة مراقبة وتصوير متطورة، وربما يخزَّن في داخله معلومات مهمة، كما أُطلق صاروخ فلسطيني في اتجاه مدينة عسقلان المحتلة.
تشير المعطيات السابقة في الجبهات الرئيسة، إلى أن العدو رفع مستوى التصعيد والعدوان خلال الشهر الأخير. ويرجع السلوك الإسرائيلي التصعيدي، في مختلف الجبهات، إلى العوامل التالية:
– الدوافع الشخصية والحزبية لرئيس حكومة العدو، نفتالي بينيت، الذي باتت حكومته على شَفا السقوط، ولا يوجد لديه ما يخسره، في ظل تهاوي حظوظ حزبه وتراجع شعبيته، الأمر الذي يدفعه إلى اتخاذ خطوات تسترضي قاعدته اليمينية المتطرفة، وتزيد في غلة مقاعده في الانتخابات المقبلة.
– مساعي حكومة العدو الحالية لتقديم نفسها إلى المستوطنين الإسرائيليّين على أنها قدمت نموذجاً مغايراً لحكومة بنيامين نتنياهو السابقة، وأنها أكثر قوة ويمينية، وخصوصاً في القضايا الأمنية.
– الدوافع الشخصية لرئيس أركان العدو، أفيف كوخافي، الذي تقترب ولايته من الانتهاء، في ظل فشله الذريع في تحقيق إنجازات عسكرية وعملياتية، وتراجع مكانة جيش الاحتلال في عهده، وسعيه لتأمين مستقبل سياسي له.
– استعادة جزء من الردع الذي تراجع بصورة ملحوظة في العام الأخير.
– استغلال تعثُّر المفاوضات في الملف النووي الإيراني، وإحباط جهود إيران في دعم محور المقاومة في المنطقة.
– العمل على زعزعة التحالف بين مكونات محور المقاومة، من خلال زيادة التكلفة والثمن.
– التحديات الداخلية للعدو، وتزايد حدة الاستقطاب والانقسام داخل مجتمعه، تدفع قادته إلى الهروب إلى الأمام، من أجل العمل على توحيد الجبهة الداخلية للعدو، لمواجهة المهدِّدات الخارجية.
على الرغم من أن ارتفاع مستويات التصعيد والعدوان الإسرائيليَّين في المنطقة ما زال تحت السيطرة، ولم يصل إلى الحد الذي يُشعل مواجهة شاملة، فإن ارتفاع وتيرة الاعتداءات والجرائم الصهيونية، وسلوك بينيت غير المنضبط، سيؤديان إلى ردود فعل مُغايرة، الأمر الذي سيزيد في فُرَص المواجهة والتصعيد، وهو ما يفرض على مكونات محور المقاومة مزيداً من التنسيق والتعاون، في كل المستويات، وتحديداً عسكرياً واستخبارياً.