تصعيد دولي يسبق قمّة إطلاق الحلّ السوري؟ (طارق ترشيشي)

 

طارق ترشيشي

توحي التحرّكات والمواقف الإقليمية والدولية المتصاعدة هذه الأيّام بأنّ الأزمة السورية ربّما تكون قد بدأت الدخول في المراحل الحاسمة، خصوصاً في ضوء معلومات شاعت قبل أسابيع متحدّثةً عن أنّ آذار المقبل سيكون موعد ظهور تباشير الحلول.
غير أنّ المعنيين بالأزمة يروّجون لهذه الحلول، كلّ على طريقته، فالنظام السوري بدأ منذ اسابيع يتحدث عن أنه يعمل على تطبيق المبادرة التي طرحها الرئيس بشار الاسد في خطابه الأخير، وذلك من خلال مشاورات داخلية وخارجية يجريها المسؤولون السوريون على قاعدة الانطلاق من حوار وطني سوري ـ سوري يؤدّي الى اتفاق على الحلّ المنشود، سواء كان عبر وثيقة جنيف، او عبر مبادرة الأسد.
في حين انّ المعارضة، ومعها حلفاؤها الاقليميّون والدوليون يروّجون يوميّا انّ النظام يَضعُف تدريجيّا في الميدان، وأنّ شهر آذار سيكون "شهر سقوطه".
وفيما تبدو صورة الوضع العسكري على الارض غير واضحة تماماً، فإنّ النظام يعلن أنه متقدّم في مواجهة المسلحين، وتردّ المعارضة في المقابل انّها تتقدّم وتستولي على قواعد ومناطق تسيطر عليها القوات السورية النظامية.
ولكن ما يزيد المشهد السوري ضبابية هو ذلك التناقض اليومي في المواقف الدولية إزاءه، بيدَ أنّ متابعين للأزمة السورية يدرجون هذا التناقض في سياق تصعيد الشروط والشروط المضادة الذي يسابق الاجتماع المرتقب بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قريبا، والذي يعوّل كثيرون عليه أن ينتهي بترتيب تسوية دولية للأزمة السورية كان الجانبان وضعا عناوينها الرئيسة على هامش قمة المكسيك العام الماضي.
وقبيل هذه القمة الأميركية الروسية، فإنّ أوباما الذي يدرك انّ التدخل العسكري الاميركي والغربي في سوريا غير متاح في ظلّ "الفيتوات" الروسية والصينية التي احبطت القرارات الدولية التي هدفت اليه في مجلس الأمن ثلاث مرّات، لم يجد غضاضة امس في التلويح بهذا التدخل، لكنّه قال في الوقت نفسه إنّه يريد "التأكّد من انّ هذا الخيار سيساعد على حلّ النزاع السوري". في حين عاودت اسرائيل فتح ملف السلاح الكيماوي السوري على طريقتها غامزةً من قناة "حزب الله" وملوّحة هي الأخرى باحتمال التدخل، على رغم إدراكها أنّ قراراً بشنّ ايّ حرب جديدة على لبنان، او حتى على سوريا، هو في يد واشنطن اوّلاً وأخيرا وليس في يدها.
غير انّ اللافت كان الموقف الفرنسي الذي عبّر عنه وزير الخارجية لوران فابيوس بتحذيره من "سيطرة الجماعات الاسلامية على الارض في سوريا"، داعياً إلى التحرّك للحؤول دون "ان تتحوّل ثورة انطلقت في احتجاجات سلمية وديموقراطية الى مواجهات بين ميليشيات". وقد قرأ متابعون للشأن السوري هذا الموقف بأنّه بداية تحوّل في الموقف الاوروبي والغربي عموماً من الوضع الميداني السوري لجهة الفرز والتفريق بين القوى المسلحة التي تقاتل النظام بين اصولية متشدّدة وأُخرى غير متشدّدة، في الوقت الذي بدأت الحرب التي تشنّها فرنسا على تنظيم "القاعدة" في مالي تتحوّل معركة دولية بعد موافقة الولايات المتحدة الاميركية على تزويد الطيران الفرنسي الذي يقصف مواقع "القاعدة" في تلك البلاد، بالوقود.
ولا يفصل المتابعون للأزمة السورية أنفسهم المواقف الروسية الجديدة من النظام السوري والتي توحي وكأن موسكو "نفضت يدها منه"، عن سياق التحضيرات الجارية لاجتماع اوباما ـ بوتين. فالموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة ديمتري ميدفيديف وأكّد فيه انّ "فرص بقاء الاسد في السلطة تتضاءل"، ثمّ الموقف الذي اعلنه وزير الخارجية سيرغي لافروف من انّ روسيا "لم تكن معجبة بالنظام السوري ولم تسانده أبدا" لا تعني نفض يد من دمشق وإنّما تنطوي على دعوة غير مباشرة للاطراف الدولية الى التعاون مع القيادة الروسية لتطبيق وثيقة جنيف لحل الأزمة السورية ودعوة المعارضة الى التعاون في هذا الاتجاه، خصوصاً أنّ ميدفيدف ولافروف قالا إنّ بقاء الأسد في السلطة او خروجه منها أمر يقرّره الشعب السوري وحده، ما يعني انّ الموقف الروسي المعلن منذ بداية الأزمة لم يتغيّر، وهو يتمسّك بوثيقة جنيف…
ولذا يعتقد كثيرون أنّ الإدارة الاميركية تترك للقيادة الروسية منذ قمّة المكسيك أمر ترتيب الحلّ السوري، وأنّ قمّة اوباما ـ بوتين القريبة ستطلق يد موسكو في هذا الأمر على قاعدة وثيقة جنيف التي تركّز عليها تصريحات المسؤولين الروس يوميّاً.

صحيفة الجمهورية اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى