تصعيد روسي تركي في شمال سورية

 

التفاهمات الروسية التركية في الشمال السوري اصبحت في مهب الريح مع تلاحق الاحداث الميدانية والتصريحات السياسية التي تؤكد ذلك، ويبدو ان التصعيد الاخير في ادلب وغرب حلب على جبهتين حقق فيهما الجيش السوري تقدما ملحوظا سيطر خلاله على عدد من المناطق والمدن الاستراتيجية، وردود الفعل التركية سواء ما اعلنه الرئيس رجب طيب اردوغان من ان صبر انقرة بدا ينفذ او ما امر به من اجراءات في الميدان السوري الذي يمثل بشكل واضح تحديا لروسيا ويوحي بقرب الصدام معها رغم ان هذا يبدو غير وارد الان.

وبدأ تدهور التفاهمات الروسية بشكل ملموس بعد ان قررت روسيا ودمشق الرد على قصف الجماعات المسلحة في منطقة خفض التصعيد احياء حلب بالصواريخ والقذائف ما اسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وعلى اثر ذلك بدا الجيش السوري بدعم روسي كامل عملية عسكرية في ريف حلب الغربي لاول مرة منذ ابرام اتفاق سوتشي بين الرئيسين فلاديمير بوتين واردوغان وقام الجيش السوري بتوسيع نطاق سيطرته على حساب الجماعات المسلحة في ريف ادلب الجنوبي، حينها اكتفت انقرة بطلب وقف العملية العسكرية فورا، الا ان مسار المعارك تطور بشكل كبير وسيطر الجيش السوري على مدينة خان شيخون وتقدم الى سراقب في ريف ادلب وسيطر على خان طومان احياء في غرب حلب محاولا انهاء تواجد المجموعات المسلحة بالكامل في منطقة ريف حلب .

وعلى اثر هذه التطورات التي كشفت انهيار جبهات القتال وهزيمة المجموعات المسلحة بشكل متكرر وانسحابها السريع ومع توجس تركية من ان يقوم الجيش السوري بالتقاط الفرصة للتوغل في الشمال السوري بشكل اكبر مع اعلان الحكومة السورية انها معنية بتحرير كل شبر من الارض السورية . اطلق اردوغان تحذيره بان صبر تركية بدا ينفذ ولم تكتف تركيا بعبارات التحذير وانما اقدمت على اجراءات ميدانية لعرقلة تقدم الجيش السوري , فقامت انقرة بالسماح لفصائل تابعة لها بالانتقال الى الجبهات والنسيق مع جبهة النصرة والمجموعات المصنفة وفق الاتفاق الروسي التركي بانها ارهابية في كسر لهذا الاتفاق توجيه رسالة الى موسكو بان تركية لم تعد معنية بتصنيف الجماعات وانها ستقدم الدعم للجميع لصد التقدم . وبالفعل خلال الساعات الماضية شهدت جبهات القتال امتداد بالمقاتلين والسلاح والعتاد النوعي ما شكل ثباتا نسبيا وقدرة على استيعاب الهجمات والانتقال الى هجمات مضادة ضد نقاط تمركز الجيش السوري حيث استعادت المجموعات المسلحة السيطرة على قرى القلعجية وزيتا وخالصة في ريف حلب .

ولم يكن الدعم هو الوحيد الذي خرق التفاهمات مع روسيا في الشمال السوري، فقد حركت تركيا فصائل ما يعرف بدرع الفرات وغصن الزيتون في الريف الشرقي لحلب انطلاقا من مدينة الباب التي تقع تحت سيطرتها لفتح محور قتال ضد الجيش السوري بشكل مفاجيء ولاول مرة بعد تعهد تركية وفق التفاهمات مع روسيا ان مهمة هذه القوات تنحصر في قتال الفصائل الكردية ولن تخوض اي مواجهة مباشرة مع الجيش السوري. وهو ما استدعى خرقا مقابلا للاتفاق من قبل روسيا فقامت كذلك لاول مرة بقصف فصائل درع الفرات التابعة مباشرة لتركية في مدينة الباب، وهددت بقصف عفرين وجرابلس وهو ما يعني ان فصائل تركية اصبحت لاول مرة منذ تفاهمات استانة واتفاق سوتشي على قدم المساواة بالنسبة لروسيا مع جبهة النصرة والحزب الاسلامي التركستاني وغيرها من الجماعات المصنفة ارهابية ما يعتبر تمزيقا مشتركا روسيا تركيا لكافة اتفاقات الشمال.

وعلى ضوء هذا الوضع الجديد ارسلت تركية قواتها الى الحدود السورية، وعمدت الى زيادة نقاط المراقبة العسكرية خاصة حول سراقب تحسبا لسقوطها بيد الجيش السوري الذي اصبح على مشارفها دون التنسيق المباشر مع روسيا وهو ما ادى الى تطويق الجيش السوري احدها قرب مدينة معرة النعمان قبل ان يتم قصف اخرى قرب سراقب صباح اليوم ما ادى الى مقتل ٤ جنود اترك وجرح اخرين. وفق تطورات الميدان هذه فان كافة التفاهمات الروسية التركية تعطلت عمليا، وبات التحدي وفرض الامر الواقع هو سيد المشهد في الشمال السوري وهو ما يعني ان التصعيد المتواصل سوف يزداد في اطار معادلة كسر العظم وفرض الارادة . ويبدو كذلك ان لجوء تركية الى اوروبا لوقف العملية العسكرية انطلاقا من التهديد بارسال مئات الالاف اللاجئين قد لا يحقق ما كان يحققه سابقا , خاصة مع وجود غضب فرنسي كبير من خرق اردوغان اتفاق برلين حول ليبيا وارسال شحنة سلاح الى طرابلس كشفتها البحرية الفرنسية , ويبدو ان القاء باريس القبض على المتحدث الرسمي باسم جيش الاسلام اسلام علوش وتوجيه تهمة مجرم حرب له هو رسالة مباشرة لتركية اذ يتمتع علوش بالجنسية التركية حسب بعض المصادر وهو ما يعني ان فرنسا باتت تستهدف رجال تركية من قيادات الفصائل المسلحة .

يبدو الرئيس اردوغان في ازمة حقيقة وعلى ضوء نتائج التصعيد الاخير في الشمال السوري سوف يتحدد حجم هذه الازمة.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى