تعاظم قوّة اليمين المسيحانيّ وتنامي تهديد إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينيّة
أظهر استطلاع للرأي العام، نشرته ليلة أمس الأحد، القناة الـ13 بالتلفزيون الإسرائيليّ، أكّد حصول التكتّل اليمينيّ المُتطرّف جدًا (الصهيونيّة الدينيّة) على 13 مقعدًا في انتخابات الكنيست القريبة، علمًا بأنّ الحزب المذكور، كان قد حصل في الانتخابات التي جرت العام الماضي على ستّة مقاعد، أيْ أنّ نتائج الاستطلاع بينّت أنّ هذا الحزب، ضاعف قوّته وأكثر، بمعنى أنّ أكثر من نصف مليون ناخبٍ إسرائيليٍّ، سيُصوّتون لحزبٍ دينيٍّ رجعيٍّ وعنصريٍّ، الذي لا يخفي طموحه في تحويل الكيان إلى دولةٍ تعتمِد الشرائع اليهوديّة الدينيّة مرجعًا ومرجعيةً.
قائد التكتّل المذكور، المُركّب من ثلاثة قوى يهوديّةٍ صهيونيّةٍ، هو النائب في الكنيست، إيتمار بن غفير، رئيس حزب (قوّة يهوديّة)، وهو العنصريّ بامتياز، وتلميذ الحاخام مئير كهانا، الذي كان يدعو، حتى اغتياله في الولايات المُتحدّة عام 1990، كان يدعو إلى طرد جميع العرب من “أرض إسرائيل الكبرى” (فلسطين التاريخيّة)، وتأسيس دولةٍ يهوديّةٍ دينيّةٍ تعتمِد التلمود مرجعًا لها.
مُضافًا إلى ذلك، فإنّ بن غفير، الذي يُجاهِر بعنصريته، ويتمادى حتى ضدّ القوى الصهيونيّة، المحسوبة على “الوسط” و”اليسار الصهيونيّ”، هو النائب الوحيد في تاريخ دولة الاحتلال، الذي يُنتخب للكنيست، رغم إدانته في محكمةٍ إسرائيليّةٍ بالتماثل مع منظمةٍ إرهابيّةٍ والتحريض على العنصريّة، وذلك في العام 2007.
(رأي اليوم) رصدت عددًا من ردود الإسرائيليين على استطلاع الرأي الأخير، وذلك من خلال تعقيبات القرّاء على النبأ، الذي انتشر في جميع وسائل الإعلام العبريّة: أكّد أحدهم أنّه “لدى قراءة نتائج الاستطلاع، تبدأ بالتفكير من هو ذاك الشخص إلى يقف إلى جانبك في السوبر ماركت أوْ بالصيدليّة، إسرائيل في طريقها للزوال بعد عشرين عامًا، وَمَنْ لا يرى ذلك، فإنّه يتجاهل الواقع”، وكتب آخر:” هذه بداية النهاية، تصويت أكثر من 10 بالمائة للنائب بن غفير سيُعجّل انهيار وتفكك دولة إسرائيل”. إسرائيليُّ ثالثٌ أكّد أنّه “خلافًا لبن غفير، فإنّ هتلر على الأقّل أقام جيشًا”.
الردود أوضحت مدى خوف وهلع الإسرائيليين من العدوّ الداخليّ، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، رأى أحد المُعقبين أنّ “إيران ليست المشكلة، إسرائيل نفسها ستقضي على نفسها، وتحديدًا إذا اعتلى نتنياهو سُدّة الحكم. معضلة إسرائيل الكبرى من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة ستجد طريقها للحلّ فقط إذا تمّ إبعاد نتنياهو عن المشهد السياسيّ إلى الأبد”، كما قال، ولكن نتائج الاستطلاع المذكور، كما باقي الاستطلاعات الأخيرة، أكّدت تفوّق نتنياهو على جميع “منافسيه”، إذا جاز التعبير.
رئيس الوزراء السابِق نتنياهو، الذي يقود حزب (ليكود)، سيحصل بحسب نتائج الاستطلاع الأخير على 34 مقعدًا، أيْ أكثر من ربع أعضاء الكنيست، وفي المكان الثاني حزب (يش عتيد) بقيادة رئيس الحكومة الانتقاليّة، يائير لبيد، إذْ سيحصل على 22 مقعدًا. المعطى الأهّم في الاستطلاع أوضح أنّ 45 بالمائة من الإسرائيليين يرَوْن بنتنياهو المرشّح الأكثر ملائمة لمنصب رئيس الوزراء، في حين أكّد 32 منهم أنّهم يُفضّلون لبيد. أمّا إذا كان الخيار بين نتنياهو وبين وزير الأمن، بيني غانتس، أظهر الاستطلاع أنّ 46 بالمائة يُريدون نتنياهو رئيسًا للوزراء و29 بالمائة يًفضّلون غانتس.
التهديدات الداخليّة عندما تجتمع مع التهديدات الخارجيّة
في السياق عينه، وبحسب المصادر والدراسات الإسرائيليّة فإنّ “الدولة اليهوديّة” في النصف الثاني من العام 2022 تعيش أزمةً داخليّةً عاصفةً تهُزّ أركانها، وإذا تمّ الجمع بين التهديدات الخارجيّة (إيران، حزب الله والمقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة)، مع التهديدات الداخليّة، (تأجج الخلافات داخل المجتمع الإسرائيليّ على خلفيةٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ ودينيّةٍ وعرقيّةٍ)، فإنّ إسرائيل تُحاوِل تصدير أزماتها إلى الخارج وتُحذِّر نفسها من خطورة التهديدات الداخليّة.
إسرائيل على كامل “أرض الميعاد” و”ونظيفة” من العرب
التهديدات الداخليّة طفت وبقوّةٍ على السطح، مع بدء المعركة الانتخابيّة لانتخابات الكنيست، والمزمع إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، لتكون خامس معركةٍ انتخابيةٍ، خلال عاميْن ونصف، وذلك لانقسام إسرائيل لمعسكريْن اثنيْن متضاديْن: الأوّل يؤيّد رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، الذي يقود إسرائيل إلى ديكتاتوريّةٍ تعتمِد على الفوقيّة اليهوديّة، بحسب المُحلِّل، روغل ألفر من صحيفة (هآرتس)، والثاني معسكر (لا لنتنياهو)، الذي تؤكِّد استطلاعات الرأي الأخيرة فشله الحتميّ في الانتخابات القريبة، لعدّة أسبابٍ، وفي مقدّمتها جنوح المجتمع الإسرائيليّ نحو العنصريّة واليمين المُتطرّف، واليمين اليهوديّ-المسيحانيّ، الذي يُطالِب بأنْ تكون إسرائيل دولةً يهوديّةً “نظيفةً” من الأغيار، أيْ غير اليهود، ويكون دستورها التعاليم الدّينيّة اليهوديّة المُتزمتّة جدًا.
لماذا اختفت مناعة الإسرائيليين أمام خطر إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينيّة؟
وبالإضافة إلى “خطر” تحوّل إسرائيل إلى دولةٍ ديكتاتوريّةٍ ترتكِز على الفوقيّة الدّينيّة اليهوديّة، فإنّ العدوّ الخارجيّ يُهدّد مناعة المجتمع الإسرائيليّ، فهروب عشرات آلاف الإسرائيليين من تل أبيب خلال حرب الخليج الأولى عام 1991 عندما قصفت العراق بقيادة صدّام حسين العمق الإسرائيليّ بالصواريخ، كان فضيحةً مُدويّةً ومفصليّةً، الأمر الذي دفع رئيس بلدية تل أبيب آنذاك، شلومو لاهط إلى وصف الهروب الجماعيّ، بالخيانة العُظمى.
وهذا السيناريو، أيْ الهروب الجماعيّ، عاد وبقوّةٍ خلال حرب لبنان الثانيّة عام 2006، عندما قصف حزب الله شمال إسرائيل بالصواريخ ووصل إلى ما بعد حيفا، الأمر الذي دفع أكثر من مليون إسرائيليٍّ إلى الهرب من الشمال إلى مركز الدولة العبريّة، خوفًا من صواريخ حزب الله الـ”بدائيّة”، ولكن اليوم بعد مرور 16 عامًا على حرب لبنان الثانية، يُقِّر كبار قادة دولة الاحتلال السياسيين والعسكريين على حدٍّ سواء، بأنّ كلّ بقعةٍ في إسرائيل باتت في مرمى صواريخ حزب الله، ناهيك عن صواريخ (حماس) وإيران.
ليبرمان إذْ يُقّر بأنّ حزب الله أقوى من دول الناتو وأخر معركة انتصر بها الجيش الإسرائيليّ كانت في حرب الـ1967
وفي السياق عينه، فإنّ وزير الماليّة الإسرائيليّ المُتطرِّف، أفيغدور ليبرمان، أكّد في تصريحٍ علنيٍّ أنّ الجيش الإسرائيليّ لم يُحقِّق أيّ انتصارٍ منذ عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، والمعروف عربيًا بالنكسة، كما قال ليبرمان، وهو الذي تبوّأ في الماضي غير البعيد منصب وزير الأمن، قال إنّ حزب الله بات أقوى عسكريًا من دولٍ عديدةٍ في حلف الناتو (شمال الأطلسيّ)، على حدّ تعبيره.
وكان اللّواء احتياط في الجيش الإسرائيليّ، والمسؤول السابق عن شعبة مظالم الجنود، الجنرال احتياط يتسحاق بريك، كان قد قال إنّ وضع الجيش الإسرائيليّ في تدهورٍ، وأنّه منذ العام 1965 لم يشهد الجيش مثل هذا التراجع، مُشدّدًا في ذات الوقت على أنّه طالب بتشكيل لجنة تحقيقٍ خاصّةٍ بذلك، دون جدوى.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية